المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

244

ما وقعت قبل ساعة الموت وإن كانت هي من الواجبات الفورية ما ورد عن محمّد بن مسلم، عن الباقر(عليه السلام): «يا محمّد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما والله إنّها ليست إلاّ لأهل الإيمان، قلت: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار من الذنوب وعاد في التوبة ؟ قال: يا محمّد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثُمّ لا يقبل الله توبته؟! قلت: فإنّه فعل ذلك مراراً يذنب ثُمّ يتوب ويستغفر ؟ فقال: كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة، وإنّ الله غفور رحيم يقبل التوبة ويعفو عن السيّئات، فإيّاك أن تقنّط المؤمنين من رحمة الله»(1).

ولعلّ السرّ في شرط عدم حضور الموت لقبول التوبة أحد أمرين:

أوّلا: أنّ الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب، أمّا الإيمان بالشهود فلا قيمة مهمّة له، فإنّ الإيمان بالشهود أمر سهل يفعله كلّ أحد، وإنّما الخروج من الامتحان يكون بالإيمان بالغيب واتّباعه؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ...﴾(2)أمّا إذا حضر الموت وانكشفت اُمور الآخرة فقد تحوّل الغيب إلى الشهود، وعندئذ لا قيمة مهمّة لحدوث إيمان أو توبة؛ ولعلّه لهذا السبب قال الله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ﴾(3).

إذ إن نزول الملك الذي هو من عالم الغيب يعني تحوّل الغيب إلى الشهود، وعندئذ تنقطع المهلة، ويُقضى الأمر. وأيضاً قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * مَا


(1) الوسائل 16/79 ـ 80، الباب 89 من جهاد النفس، الحديث 1.

(2) السورة 2، البقرة، الآيات 1 ـ 3.

(3) السورة 6، الأنعام، الآية: 8 .