المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

254

من البيت، وانشغل باللعب مع الأطفال، فغضبت الأُمّ، وسدّت عليه الباب إلى أن انتهوا من اللعب، وذهب كلّ واحد منهم إلى بيته، وبقي وحده، فجاء إلى البيت، ولكن كلّما دقّ الباب لم تفتح عليه الباب، فالتجأ إلى بيوت الجيران واحداً واحداً، ولكنّهم لم يفتحوا له أبوابهم، فاحتار في أمره، ورجع مرّة أُخرى إلى بيت أُمّه، وكلّما دقّ الباب لم يُفتح له، فقال: يا أُمّ إن لم ينفتح عليّ باب الجيران كان لي وجه للرجوع إلى هذا الباب، ولكن لو لم ينفتح عليّ هذا الباب ليس لي وجه للرجوع إلى باب آخر، وأخذ يبكي ويئنّ، وجعل وجهه على التراب إلى أن أخذه النوم وأُمّه تراقب حاله من على السطح، فحينما رأت الطفل قد نام بكمال الذلّ والانكسار في التراب رمت بنفسها، ورفعت رأس طفلها من على تراب الذلّ، وأخذت تمسح الغبار عن وجهه وهو نائم، ولمّا استيقظ الطفل، ونظر إلى وجه أُمّه قال: يا أُمّ لو تقطعي عنّي الماء والخبز فهو مقبول، ولو تفركي أُذني فأنا مستحقّ لذلك، ولو تركِتني في البكاء والحنين أتحمّل ذلك، ولكنّ الذي أطلبه منك أن لا ترسليني من باب بيتك إلى أبواب الآخرين، فلمّا رأى الشيخ هذه القِصَّة شقّ قميصه، وقال: اتّضح لي من هذه القِصّة أمران:

1 ـ إنّ العبد ليس له باب وطريق غير باب الله عزّ وجلّ(1).

2 ـ إنّ علاقة المحبّة لا تنفصم بأيّ شيء(2).

أقول: يا ترى إنّ الأُمّ تفرح برجوع ولدها وتوبته، وتتجاوز عن سيّئته، ولكن الله تعالى الذي ألهم الأُمّ هذه الرحمة وهو أرحم الراحمين لا يقبل توبة العبد،


(1) «... إلى من يذهب العبد إلاّ إلى مولاه، وإلى من يلتجئ المخلوق إلاّ إلى خالقه...». مفاتيح الجنان/دعاء أبي حمزة الثمالي.

(2) «... هيهات أنت أكرم من أن تضيّع من ربّيته، أو تبعّد من أدنيته، أو تشرّد من آويته، أو تسلّم إلى البلاء من كفيته ورحمته...». مفاتيح الجنان، دعاء كميل.