المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

295

قلبه، أوسع شيء صدراً، وأذلّ شيء نفساً، يكره الرِفعة، ويشنأُ السُمعة، طويل غمّه، بعيد همّه، كثير صمته، مشغول وقته، شكور، صبور، مغمور بفكرته، ضنين بخلّته، سهل الخليقة، ليّن العريكة، نفسه أصلب من الصلد، وهو أذلّ من العبد»(1).

قوله(عليه السلام): «المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه» إنّ هاتين الصفتين تكاسر إحداهما الأُخرى، وترفع الآثار السيّئة عنها، فإنّ الحزن وحده يؤدّي إلى الانكماش عن المجتمع وعن الأعمال الاجتماعيّة، كما أنّ البِشر لو كان وحده يؤدّي إلى البطالة والبطر، ولكن متى ما اجتمع الحزن الإلهي في القلب مع البِشر المأمور به المؤمن أمام الناس، يتم الإعتدال، وتكون كلّ من الصفتين كمالاً محضاً، ونافعاً له ولمجتمعه ولدينه ودنياه وآخرته.

قوله(عليه السلام): «أوسع شيء صدراً وأذلّ شيء نفساً» حينما يصبح الإنسان واسع الصدر ـ وسعة الصدر آلة الرئاسة ـ قد يأخذه الغرور بسبب نجاحه في الاُمور وقدرته على حلّ المشاكل بسعة الصدر، ولكن يعالج ذلك وصفُهُ الآخر، وهو: أنّه «أذل شيء نفساً» فهو دائماً يلحظ نقائص نفسه، ويُذلّ نفسَه أمام قلبه، ويؤنّبها على أخطائها، وهذا يمنع عن بروز تلك الحال، ويؤدّي إلى الاعتدال المطلوب.

قوله(عليه السلام): «ضنين بخلّته» يُحتمَل في كلمة (الخلّة) فتح الخاء وضمها(2) فعلى الفتح تكون بمعنى الفقر والحاجة، ويكون المعنى: أنّ المؤمن يبخل بعرض حاجته على الناس، فلا يمدّ يد الحاجة إليهم. وعلى الضمّ يكون معناها: من الإخلاص والصداقة.وعلى هذا المعنى فسّره ابن أبي الحديد بمعنى كونه قليل المخالطة والتوفّر على العُزلة.

أقول: إنّ هذا شأن العرفان الكاذب، بل الأولى أن يكون المقصود على هذا


(1) نهج البلاغة: 724، رقم الحكمة: 333.

(2) راجع مجمع البحرين 5/365.