المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

297

الأوّل: ما يكشف عنه البكاء، إنّ البكاء يكشف عن التحوّل العظيم في نفس الباكي، والتفاعل الكامل مع الله سبحانه وتعالى ومع أوامره ونواهيه، وتجلّي عظمته تعالى في قلبه وخشوعه له، ومن هنا يكون البكاء ـ أيضاً ـ كاشفاً عن مستوىً عال من الندم على المعاصي، وموجباً لغفران الذنوب كما ورد في الحديث التالي:

2 ـ عن الحسن العسكري(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام)، عن الصادق(عليه السلام): «إنّ الرجل ليكون بينه وبين الجنّة أكثر ممّا بين الثرى إلى العرش؛ لكثرة ذنوبه، فما هو إلاّ أن يبكي من خشية الله ـ عزّ وجلّ ـ ندماً عليها حتّى يصير بينه وبينها أقرب من جفنه إلى مقلته»(1).

وطبعاً هذا لا ينفي سائر شرائط التوبة، بل كأنّه ينظر إلى أنّ البكاء لو كان بكاءً مرتبطاً بالندم ارتباطاً حقيقيّاً فهو يلازم تحقيق باقي شرائط التوبة.

والثاني: ما يترتّب على البكاء من الاقتراب العاطفي الكبير من الله جلّت عظمته، وخَرق حُجُب النفس ممّا يؤدّي إلى تركّز التفاعل مع الله في النفس أكثر من ذي قبل؛ ولذا ينبغي للباكي أن يغتنم فرصة تلك الحالة الذهبيّة التي حصلت له في تهذيب نفسه وتزكيتها؛ فإنّ هذه الفرصة لا تحصل في أيّ وقت شاء الشخص.

وجميع الروايات الواردة في مدح البكاء من خشية الله أو الشعور بعظمته والاندهاش أمامه تُحمل على هذين التفسيرين اللَذيْن عرفتهما وذلك من قبيل:

3 ـ ما ورد عن الصادق(عليه السلام): قال: «ما من شيء إلاّ وله كيل ووزن، إلاّ الدموع؛ فإنّ القطرة تُطفئ بحاراً من نار، فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة، فإذا فاضت حرّمها الله على النار، ولو أنّ باكياً بكى في أُمّة لرحموا»(2).


(1) المصدر السابق: ص 226 ـ 227، الحديث 10.

(2) المصدر السابق: ص227، الحديث 11.