المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

298

4 ـ عن الرضا(عليه السلام) في حديث صحيح السند قال: «كان فيما ناجى الله به موسى(عليه السلام)أنّه ما تقرّب إليّ المتقربون بمثل البكاء من خشيتي، وما تعبّد لي المتعبّدون بمثل الورع عن محارمي، ولا تزيّن لي المتزيّنون بمثل الزهد في الدنيا عمّا يهمّ الغنى عنه. فقال موسى: يا أكرم الأكرمين: فما أثبتَهم على ذلك؟ فقال: يا موسى أمّا المتقرّبون لي بالبكاء من خشيتي فهم في الرفيق الأعلى لا يشاركهم فيه أحد، وأمّا المتعبّدون لي بالورع عن محارمي فإنّي أُفتّش الناس عن أعمالهم، ولا أُفتّشهم حياءً منهم، وأمّا المتزيّنون لي بالزهد في الدنيا فإنّي أبيحهم الجنّة بحذافيرها يتبوّؤون منها حيث يشاؤون»(1).

هذا، والبكاء ليس نتيجة الحزن أو الخوف فحسب، بل يكون نتيجة لبعض الصفات والحالات الأُخرى ـ أيضاً ـ التي سيأتي الحديث عنها إن شاء الله، ومنها الخشوع كما جاءت الإشارة إلى ذلك في ثنايا كلامنا، قال الله تعالى: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾(2).

وقال الله سبحانه أيضاً: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً﴾(3).

وقد ظهرت من ثنايا بحثنا فائدتان تربويّتان هامّتان تترتّبان على البكاء من خشية الله، أو من الحزن على ما فات، أو نحو ذلك ممّا يدعو إلى البكاء في الله


(1) المصدر السابق: ص226، الحديث 9.

(2) السورة 17، الإسراء، الآيات: 107 ـ 109.

(3) السورة 19، مريم، الآية: 58.