المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

301

استهانته بنفسه بالقياس إلى الصدّيق(1).

ورُوي ـ أيضاً ـ: أنّ عيسى ـ على نبيّنا وآله وعليه السلام ـ وصل في سيره في الصحراء إلى صومعة أحد الرهبان، وانشغل بالحديث معه، وإذا بشاب معروف بالفسق والفجور ومشهور بالمعاصي مرّ في ذاك الطريق، فوقع نظره على عيسى(عليه السلام) مع ذاك العابد، ففترت رجله عن المشي، ووقف مكانه وقال: يا إلهي لو رآني عيسى على ما أنا عليه من الوضع المخجل ماذا أفعل؟! ولو عاتبني على ما صدر عنّي كيف أُعالج الوضع؟! ولمّا وقع نظر العابد على الفاسق رفع رأسه إلى السماء وقال: اللّهمّ لا تحشرني في يوم القيامة مع هذا الفاسق الفاجر، فأوحى الله إلى عيسى(عليه السلام): قل لهذا العابد: إنّنا استجبنا دعاءك، ولا نحشرك معه؛ فإنّه أصبح من أهل الجنّة بتوبته، وأصبحت من أهل النار بغرورك ونخوتك وعجبك(2).

2 ـ والآفة الثانية التي قد تترتّب على البكاء هي: أنّ من تفاعل مع ربّه إلى حدّ البكاء قد يتخيّل أنّه إذن أدّى الوظيفة، فينسى أو يتناسى وظائفه التي تكلّفه بذل المال أو الراحة أو النفس أو ما إلى ذلك في سبيل المبدأ والعقيدة والإسلام والمسلمين، أو يغفل عن الوظائف الاجتماعيّة التي يجب أن يقوم بها، ويتقوقع على نفسه وهو مسرور بأنّه قد أدّى ما عليه مادام قد تفاعل مع الله تفاعلاً معنويّاً وصل إلى مستوى البكاء، ويكون ذلك خير وسيلة له للتقاعس عن التضحيات اللازمة من دون الإحساس بوخز الضمير. وهذه الآفة ـ أيضاً ـ قد تترتّب على العبادات الأُخرى ولو بمستوى أقلّ ممّا تترتّب على البكاء.

وهذه ـ أيضاً ـ من نتائج ضعف النفس، وإلاّ فليس المفروض بالبكاء أو بأيّ عبادة أُخرى أن يترتّب عليه ذلك.


(1) خزينة الجواهر: 647.

(2) خزينة الجواهر: 647.