المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

302

وليس علاجها بترك البكاء أو ترك الطاعة أو العبادة، فإنّ ذلك إعانة للشيطان على هدفه، بل علاجها يكون بمزيد من الالتفات والتيقّظ، وبمعرفة حرمة ما تصنعه ـ عادة ـ الصوفية من التقوقع على الذات والتقاعس عن خدمة الإسلام والمسلمين بحجّة العبادة أو تربية النفس، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً، وكذلك يكون العلاج بتعويد النفس على خلاف هذه الآفة.

3 ـ والآفة الثالثة هي التي قد تختص بالبكاء، ولا تترتّب على سائر العبادات والطاعات، وهي: أنّ البكاء من طبيعته أنّه يبرّد القلب، وينفّس عن الإنسان، ولهذا قد يُؤمَر المصاب بفقد عزيز من أعزائه مثلاً بالبكاء على فقيده؛ وذلك لكي ينفّس عن نفسه ويخفِّف ألم المصيبة، فقد يتّفق أنّ الإنسان المؤمن حينما برّد قلبه بالبكاء ونفّس عن لوعته الإيمانية بذلك يَبرُد عمّا عليه من أداء الوظائف الاجتماعيّة أيضاً، ويترك ما عليه من التضحيات أو الاهتمامات التي تحتاج إلى بذل المال تارةً، أو بذل النفس أُخرى، أو بذل الراحة ثالثةً وما إلى ذلك، فيبتعد بذلك عن الله تعالى بدلاً عن الاقتراب إليه سبحانه.

فهذه الآفة ـ أيضاً ـ بحاجة إلى مزيد من اليقظة ومراقبة النفس ومحاسبتها؛ كي لا يتورّط الإنسان المؤمن في هذه المصيدة الشيطانية.

والواقع: أنّ الشيطان يدخل مع كلّ إنسان المدخلَ المناسب له في إغوائه، فليس يقدر مع كلّ احد على إغرائه بالخمور أو الفساد الجنسي أو ما إلى ذلك، لأنّ الشخص ربّما لا تكون هوايته إلاّ في العبادة والطاعة، فيدخل معه نفس المدخل، ويفسد عبادته بالعجب أو الرياء، أو يجعلها سبباً لانكماشه عن أداء الوظائف الاجتماعيّة، وابتعاده عن خدمة الاهداف الإسلاميّة أو ما إلى ذلك. فهلمّ إلى التيقّظ الكامل، ومراقبة النفس الدقيقة، ومحاسبتها قبل أن تُحاسَب يوم القيامة من لدن الناقد البصير.