المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

304

وقيل(1): إنّ خوف العامّة يكون عن العقاب، وهو الخوف الذي يصحّ به الإيمان، وهو يتولّد من تصديق الوعيد، وذكر الجناية، ومراقبة العاقبة. وخوف الخاصّة يكون عن الاحتجاب. وأمّا أهل الخصوص أو خاصّة الخاصّة فلا خوف لهم بمعنى الكلمة، إلاّ هيبة الإجلال. وقد قال بعضهم:

أشتاقُهُ فإذا بدا
أطرقتُ من إجلالِهِ
لا خيفةً بل هيبةً
وصيانةً لجمالِهِ

أقول: نحن لاننكر هذه المراتب الثلاث من الخوف، وأنّ الثالث هو أمر فوق الخوف، ويشير إلى الأوّل مثل قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَ يَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾(2). ويشير إلى الثاني مثل قوله(عليه السلام): «... فهبني يا إلهي وسيّدي ومولاي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك...»(3)، وأقصد بخوف الاحتجاب: الاحتجاب المعنويّ المعقول لا الاحتجاب عن الرؤية المادّيّة الذي لا ينفكّ حتّى عن المعصومين(عليهم السلام)، قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾(4).

وقال الله تعالى: ﴿لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾(5).


(1) هذا المقطع أخذناه من مجموع ما في شرح منازل السائرين لعبدالرزاق الكاشاني: 48، وشرح منازل السائرين لسليمان التلماسي: 124 ـ 125.

(2) السورة 11، هود، الآية: 103.

(3) دعاء كميل.

(4) السورة 7، الأعراف، الآية: 143.

(5) السورة 6، الأنعام، الآية: 103.