المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

321

وحتّى ما ورد بشأن همّام رحمة الله عليه: من أنّه حينما سَمِعَ من إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) وصف المتّقين صَعِقَ صعقة كانت نفسه فيها(1) يدلّ على عدم اكتماله في بعض الجوانب الروحيّة إلى صفّ دلالته على أنّه كان من أهل الحال، وكان شفّاف الروح ورقيق القلب، كما روي أنّه قال إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام)بشأنه: أما والله لقد كنت أخافها عليه، ثُمّ قال: هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها. فقال له قائل: «فما بالك يا أمير المؤمنين؟ فقال(عليه السلام): ويحك إنّ لكلّ أجل وقتاً لا يعدوه، وسبباً لا يتجاوزه. فمهلاً لا تعد لمثلها، فإنّما نفث الشيطان على لسانك».

وهذا الجواب من قِبلِ إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) كان جواباً بقدر فهم السائل، ولو كان هذا السائل يعرف شيئاً يسيراً من حالات إمامنا(عليه السلام)وأنّه هو البكّاء في المحراب ليلاً هو الضحّاك إن طال الحراب، لما اعترض عليه بهذا الاعتراض؛ لوضوح أنّ ضيق الظرفيّة وضعف النفس الموجودين لدى همّام ليسا موجودين لدى عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) الذي كان يُغشى عليه في جوف الليل من خشية الله، وكان يمارس حياته الاعتياديّة لخدمة الإسلام في وسط النهار، وهو الذي قال في نفس خطبة المتّقين ضمن توصيفه للمتّقين: «... ولولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب...»، ثمّ بعد فترة من الحديث قال: «... وأمّا النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء...».

نعم هكذا يحفظ أهل الله توازنهم بين الليل والنهار.

والفرق بين الإنسان والجماد أنّ الجماد لم يكن قادراً على حمل الأمانة، ولو كان يحمَّل الأمانة لكان يفقد توازنه كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الاَْمَانَةَ عَلَى


(1) راجع نهج البلاغة: 413، رقم الخطبة: 193.