المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

337

إمّا ضعيفة وإمّا قوية، وقلّما تنفكّ هذه الحالة عن الرغبة. فهذه خمسة أحوال، أعلاها الزهد، فإن انضمّ الاضطرار إلى الزهد وتصوّر ذلك، فهو أقصى درجات الزهد.

وهنا أورد الفيض الكاشاني(رحمه الله) على الغزالي: بأنّ الاضطرار المنضمّ إليه الزهد إن تُصوّر فليس من الخصال المحمودة، بل ولا من شيم العقلاء فضلاً عن أن يكون أقصى درجات الزهد؛ فإنّ الجائع المضطرّ إلى الخبز، الفاقد له، لو آتاه الله الخبز عفواً صفواً، فتأذّى به، وهرب من آخذه، عُدَّ من المجانين... ثُمّ التقسيم الذي ذكره ليس بسديد؛ وذلك لأنّ المضطرّ ليس قسيماً للأربعة الأُخر، بل هو ـ أيضاً ـ ينقسم إلى بعضها...(1).

نعود إلى نقل كلام الغزالي: ووراء هذه الأحوال الخمسة حالة هي أعلى من الزهد، وهي: أن يستوي عنده وجود المال وفقده، فإن وجده لم يفرح به ولم يتأذّ، وإن فقده فكذلك. فمن هذه حاله لو كانت الدنيا بحذافيرها في يده وخزانته لم تضرّه؛ إذ هو يرى الأموال في خزانة الله لا في يد نفسه، فلا يفرق بين أن يكون في يده أو يد غيره. وينبغي أن يُسمّى صاحب هذه الحالة: المستغني؛ لأنّه غنيّ عن فقد المال ووجوده جميعاً، وليفهم من هذا الاسم معنىً يفارق معنى الغنيّ الذي يطلق على الله تعالى، وعلى من كثر ماله من العباد، فإنّ من كثر ماله من العباد وهو يفرح به فقير إلى بقاء المال في يده، وإنّما هوغنيّ عن دخول المال في يده لا عن بقائه في يده، فهو إذن فقير من وجه. وأمّا هذا الشخص فهو غنيّ عن دخول المال في يده، وعن بقائه في يده، وعن خروجه من يده أيضاً، فإنّه ليس يتأذّى به ليحتاج إلى الخروج، وليس يفرح به ليحتاج إلى البقاء، وليس فاقداً له ليحتاج إلى الدخول في يده، فغناه إلى العموم أميل، فهو إلى الغنيّ الذي هو وصف الله أقرب،


(1) المحجة: 7 / 315 ـ 316.