المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

340

ضرورة الأنبياء والأولياء والعلماء، فقد عرفت ـ إذن ـ أنّ أعلى المراتب في باب الزهد إيجاباً وسلباً رتبة المستغني، ثُمّ الزاهد، ثُمّ الراضي، ثُمّ القانع، ثُمّ الحريص. انتهى المقدار الذي اردت نقله من كلام الغزالي مع قليل من التلخيص، ويسير من تغيير بعض العبائر.

وأورد عليه الفيض الكاشاني(رحمه الله): بأنّه لم يرَ فرقاً بين من سمّاه بالراضي ومن سمّاه بالمستغني؛ فإنّه وصفهما جميعاً بأنّ وجود المال وعدمه سيّان عنده، وأنّه لا يفرح به، ولا يتأذّى به(1).

أقول: الظاهر أنّ الغزالي يقصد بالراضي: مَنْ يرضى بما لديه من غنىً أو فقر؛ نظراً لتساوي التذاذه بالمال لالتذاذه بالفقر، فهو لم يرق مرتبة الكمال الذي يجعله مبتعداً عن حبّ المال في ذاته، ولم يكن منحطّاً إلى حدّ لا يرغب في الفقر في ذاته، بل تساوت عنده الرغبتان وتكاسرتا، فأصبح المال وعدمه عنده سيّان. ويقصد بالمستغني: مَنْ كان المال وعدمه عنده سيّان أيضاً، لكن لا بملاك تكاسر الرغبتين، بل بملاك انحصار رغبته في الله سبحانه وتعالى، وانشغاله به، وعدم التفاته لا إلى المال ولا إلى عدمه، وشتّان الفرق بين المفهومين.

وعلى أيّة حال، فالذي نفهمه نحن من الكتاب والسُنّة وروايات أهل البيت(عليهم السلام)ليس هو المدح للهروب من الدنيا المحلّلة فيما هو أكثر من قدر الاضطرار وبغضها وكرهها، وإنّما الذي نفهمه منها عدّة أُمور:

1 ـ مدح التجنّب عن الحرام والشبهات كما مضى ذلك في بعض الروايات، وفي هذا المعنى يقول الشاعر:

لا يَغُرّنك من المرء رداءٌ رَقَعَهْ
وقميصٌ فوق كعب الساق منه رَفَعَهْ
وجبينٌ لاح فيه أثرٌ قد قَلَعَهْ
أرِهِ الدرهمَ تعرف غيّه أوْ وَرَعَهْ


(1) المحجة 7/316 ـ 319.