المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

346

والذي يبدو لي أنّ المقصود باليقين: ما قد يُسمّى بيقين الشهود الذي هو فوق ما يُسمّى بالقطع، فالقطع هو: الانكشاف الذي يكفي في تماميته أن لا يشوبه شك، ويكفي في تحصيله البرهان، ولكن اليقين هو: العلم الذي يكون نوراً يقذفه الله في قلب من يشاء، ولا يحصل إلاّ بأعلى درجات الورع والتقوى الموجب لانفتاح بصيرة الإنسان التي تشاهد ما لا يشاهد البصر.

وقد قيل: إنَّ اليقين له درجات: أوّلها علم اليقين، وثانيها عين اليقين، وثالثها حقّ اليقين. ويُمثّل لذلك باليقين بالنار الذي يكون في الدرجة الأُولى بمشاهدة المرئيّات بتوسط نورها، وفي الدرجة الثانية بمشاهدتها مباشرة، وفي الدرجة الثالثة بالاحتراق فيها وانمحاء الهوية بها. وليس وراء هذا غاية، ولا هو قابل للزيادة. لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً(1).

والتقوى والورع شيء واحد. وقد بُيّنت مرتبتها في بعض الروايات بلسان آخر غير رواية الورع التي تلوناها عليك، وهي في بعض أسانيدها صحيحة السند، فقد رُوي في الكافي عن الإمام الرضا(عليه السلام)بثلاث وسائط كلّهم في منتهى درجات الوثوق وهم: محمّد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمَّد بن عيسى القمّي الأشعري، عن أحمد بن محمَّد بن أبي نصر (وهذا سند قلّ ما نرى مثله) عن الرضا (عليه السلام)قال: «الإيمان فوق الإسلام بدرجة، والتقوى فوق الإيمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة. ولم يقسّم بين العباد شيء أقلُّ من اليقين»(2).

ونحوه في حديث آخر بسند صحيح أيضاً بثلاث وسائط كلّهم ثقات. والراوي المباشر يونس. وزاد في آخره: قلت: « فأيّ شيء اليقين؟ قال: ... التوكّل على


(1) راجع البحار 70 / 142.

(2) اُصول الكافي: 2 / 52، كتاب الإيمان والكفر، باب فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان، الحديث 6.