المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

348

أمّا ما ورد في آية الحجّ من الأمر بالتزوّد، وأنّ خير الزاد التقوى، فإنّني كنت أفهم منه وفق الفهم الساذج: أنّ المقصود هو الأمر بالتزوّد بالتقوى، فكأنّما يقول: إنّ الذي يحجّ بيت الله فالمفروض به: أن يترك الرفث والفسوق والجدال، وأن يتزوّد ـ أيضاً ـ بالتقوى، إلى أن رأيتُ تفسيراً يروي: أنَّ أُناساً من اليمن كانوا في عصر القرآن يسافرون للحج، ولم يكونوا يصحبون معهم زاداً، وكان دليلهم على ما يفعلون: أنّنا نَفِدُ على زيارة بيت الله، فهل يعقل أنّ الله تعالى لا يستضيفنا، وغافلين عن أنّ الله تعالى قد استضافهم عن طُرُق الوسائل المادّية الموضوعة تحت اختيارهم، فنزلت الآية المباركة تأمرهم بالتزوّد، وتشير ضمناً إلى مسألة معنويّة، وهي: ضرورة زادالتقوى ـ أيضاً ـ التي هي خير زاد(1).

أقول: وكذلك سفرنا إلى عالم الآخرة، فصحيح أنَّنا نَفِدُ في ذلك على الكريم. ولنعم ما قيل:

وفدتُ على الكريمِ بغيرِ زاد *** من الحسناتِ والقلبِ السليمِ

وحملُ الزادِ أقبحُ كلّ شيء *** إذا كان الوفود على الكريم

وحقّاً كُلَّما تزوّدنا بزاد التقوى عجزنا عن تأدية حقّه سبحانه وتعالى، وسيكون اعتمادنا على كرم مَنْ نَفِد عليه، ولكنّنا في نفس الوقت مأمورون بالتزوّد بزاد التقوى،وبدون ذلك سنخسر هنالك خسراناً مبيناً. وقد وردت مخاطبة عليّ (عليه السلام)لأهل القبور بعد رجوعه من صفّين لمّا أشرف عليها بظاهر الكوفة، وفيها: «... أمّا الدور فقد سُكِنت، وأمّا الأزواج فقد نكِحت، وأمّا الأموال فقد قُسِّمت. هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم ؟ ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: أمّا لو أُذِنَ لهم في الكلام لأخبروكم: أنّ خير الزاد التقوى»(2).


(1) تفسير «نمونه» 2 / 30.

(2) نهج البلاغة: 680، رقم الحكمة: 130.