المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

351

وأثرها، عرفت أنّه كان حقّاً أن تُجعل المقياس الوحيد للمفاضلة في الآية الاُولى التي فتحنا بها الحديث، وهي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ فهذه الآية قد حصرت التفاضل بالتقوى، ونفت كلَّ التفاضلات المادية التي لم تقم على أساس الأخلاق والمنتشرة فيما بين الشعوب غير المتربية بتربية السماء، وعلى رأسها في ذلك التأريخ: التفاضل بالأنساب والأحساب، وهو المشار إليه صريحاً في هذه الآية المباركة.

والعقل يحكم قبل الشرع ببطلان هذه القيم، وببطلان هذه القيمة بالذات؛ لأنَّ انتساب شخص إلى قبيلة لا يعني إلاّ انتسابه إليها بواسطة ماء قذر يخرج من بين الصلب والترائب، وليس هذا لو نظرنا إليه في ضوء العقل النيّر أمراً شريفاً ومشرِّفاً، وكلُّ الأنساب ترجع إلى آدم وآدم من تراب.

وقد نُقِلَ للآية المباركة عدد من شأن النزول أو مورد التطبيق، كلّها يدخل في مسألة التفاخر بالأحساب والأنساب والألوان أو اللسان وما إلى ذلك، من قبيل:

1 ـ ما رُوِيَ من أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ما فتح مكّة عيَّن بلالاً للأذان على ظهر الكعبة، فقال عتّاب بن أسيد: أشكر الله على موت والدي، وأنّه ليس حيّاً في مثل هذا اليوم الذي يكون بلال هو المؤذّن لنا على ظهر الكعبة. وقال حارث بن هشام: ألم يكن لرسول الله أحد غير هذا الغراب الأسود يجعله مؤذِّناً على الكعبة. فنزلت هذه الآية المباركة(1).

2 ـ وروي ـ أيضاً ـ أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بتزويج بنت من بنات العرب من بعض الموالي (والمولى يعني: العبد المعتَق، أو غير العرب ممّن يتولّى أحداً في مصطلح فقهي) فتعجّبوا من ذلك، وقالوا: أتأمرنا يا رسول الله بتزويج بناتنا من


(1) تفسير «نمونه» 22 / 199.