المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

368

وفيهم شاب يضحك، فسأله عن حاله وحالهم فأنشأ يقول:

إنّهم عبدوك(1) من خوفِ نار
ويروْنَ الثوابَ فضلاً جزيلاً
أو لأن يسكنوا الجنان فيُسقوا
من عيون رياضُها سلسبيلاً
ليس لي في الجنان يا قوم رأيٌ
أنا لا أبتغي لحبّي بديلا

قلت: يا فتى ما هذا التجرّئ على حبيبك، وما حيلتك إن طردك ؟ ! فأنشأ:

أنا إن لم أجدْ من الحبِّ وصلا
رمت في النار منزلاً ومقيلا
ثُمّ أزعجت أهلَها بندائي
بكرةً في حميمها وأصيلا
معشرَ المشركين نوحوا عليَّ
أنا عبدٌ أُحبُّ مولىً جليلا
لم أكن في الذي ادّعيت محقّاً
فجزائي به العذاب طويلا(2)

أقول: لاحظ كيف تورّط صاحب هذا الكلام العرفاني في الخلط بين فرض الحبّ وفرض كذبه في الحبّ، وقايس بين هذا العرفان المنحرف عن خط أهل البيت والعرفان الكامن في الكلمة المنقولة عن إمامنا زين العابدين(عليه السلام): «... لئن أدخلتني النار لأُخبرنّ أهل النار بحبّي لك ...»(3) وأيضاً المرويّ في نفس الدعاء: «... إلهي لو قرنتني بالأصفاد، ومنعتني سيبك من بين الأشهاد، ودللت على فضائحي عيون العباد، وأمرت بي إلى النار، وحلت بيني وبين الأبرار، ما قطعت رجائي منك، وما صرفت تأميلي للعفو عنك، ولا خرج حبّك من قلبي. أنا لا أنسى أياديك عندي، وسترك عليّ في دار الدنيا...»(4).

أمّا المثل الذي ورد في القرآن لتوضيح ضرورة أن نقدّر الله حقّ قدره، فهو مثل يوضّح تفاهة قدرة ما سوى الله، وانحصار القدرة الحقيقيّة في الله تعالى. وهو ما


(1) مقتضى وزن الشعر أن يقول: (عابدوك).

(2) راجع شرح منازل السائرين للكاشاني: 67 ـ 68.

(3) و (4) دعاء أبي حمزة.