المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

377

المسلكين المعروفين من مسلك تجسّم الأعمال أو عدمه). وأمّا المخلَصون فلا يكفي بشأنهم جزاء أعمالهم، وليسوا هم من الذين عملوا للجزاء، بل عملوا لذات الله سبحانه وتعالى، فهم يُعامَلون معاملة تختلف عن معاملة الأجير، فجزاؤهم خارج عن حيطة أعمالهم، وهو فضل خاصّ من الله لهم، وكأنّما يعاملهم الله ابتداءً لذواتهم الذائبة في الله لا لأعمالهم، فجزاؤهم الأوفى يكون جزاءً معنوياً محضاً: من لقاء الله، والالتذاذ بجمال الله بالمعنى الممكن، وغير ذلك ممّا لا يمكن لعامة الناس تصوّره، فعندئذ يناسب أن يقال: إنّ قوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ﴾ليس إجمالاً للتفصيل الآتي في تتمّة الآيات، بل إشارة إجماليّة إلى تلك النعم المعنوية التي لا يمكن توضيحها لمن لم يُرزَقها بعدُ، ثُمّ جاءت تتمة الآيات لتوضّح أنّ هؤلاء المخلَصين ـ أيضاً ـ ليسوا محرومين من تلك النعم المادّية، بل هي لهم ـ أيضاً ـ كما للآخرين، ويزيدون على الآخرين بتلك النعم المعنوية التي هي فوق تصوراتنا في هذه الدنيا، وذلك لأنّ المخلَصين هم ـ على أيّ حال ـ بشر، والبشرُ بذاته يملك الجسد الذي هو أمر مادّي، كما يملك الروح التي تعالت إلى مستوى الخلوص لله، فكما يُكرَم بروحه العالية الراقية مرقاة الخلوص كذلك يكرم بالإكرامات المادية المناسبة لجانبه المادي، وهو جسده الذي هو مركوب لروحه، تماماً من قبيل ما لو دخل شخص عزيز راكباً فرسه على ملك كريم، فذلك الملك يكرم الشخص في غرفته الخاصة بما يناسب عزّته ومقامه، ويكرم مركوبه ـ أيضاً ـ وهو الفرس في الإصطبل الخاص به بالعلف المناسب له.

والقرآن الكريم قد تكرّرت منه التعابير الإجماليّة عن نعم أُخروية غامضة إلى صفّ تعابيره التفصيلية المفهومة، ويحتمل أن تكون تلك التعابير المجملة جميعاً إشارة إلى ما ذكرناه من النعم المعنوية التي هي فوق تصوّراتنا، والتي لم يكن يمكن شرحها وتوضيحها لنا، وذلك من قبيل قوله تعالى: