المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

381

الرأي الأخير، لأنّ المعصومين(عليهم السلام) على رغم بلوغهم مستوى عبادة الأحرار وكون غايتهم القصوى رضوان الله والتقرب إليه والذوب فيه والوصول إليه وفناءهم في ذات الله تعالى وفي حبّه، نرى أنّ الأدعية الكثيرة الواردة عنهم (عليهم السلام)واضحة في طلب الجنّة وما فيها من النِّعم المادية، وطلب الابتعاد من النار. وحملها جميعاً على التصنّع المحض؛ لغرض تعليمنا نحن الذين لم نصل إلى تلك المستويات، في غاية الصعوبة والإشكال.

وعليه، فمنتهى درجات الإخلاص أو ما قد يُسمّى بالتهذيب ليس هو تهذيب النفس عن شائبة حبّ الثواب أو حبّ الالتذاذ؛ فإنّ هذا الحبّ ذاتي للإنسان، و نقصُ الإنسان المانع عن الوصول الحقيقي إلى الله أي: إلى كنه ذاته ـ أيضاً ـ ذاتيٌّ للممكن، بل منتهى درجات التهذيب أو الإخلاص هو: أن يصل إلى مستوى كفاية حبّ الله مُحرِّكاً له إلى ما أراده الله، أي: إنّه لولا الثواب والعقاب لكان يتحرّك ـ أيضاً ـ نحو ما يريده الله؛ وعلامة ذلك أنّ الإنسان لن يحسّ ـ عندئذ ـ بالفتور والكسل في الطاعة أو بحالة الإكراه عليها؛ لأنّ رضا الله رضاه، وحبّه حبّه، فيفعل ما يفعل بكلِّ طواعية ورغبة لا كرهاً لخوف العقاب أو لتحصيل الثواب. والنقطة المقابلة تماماً لذلك هم المنافقون الذين قال الله ـ تعالى ـ عنهم:

﴿إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء ...﴾(1).

وقال تعالى أيضاً: ﴿... وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾(2) وفيما بين هاتين النقطتين المتقابلتين متوسّطات كثيرة.

وإن شئت نموذجاً للإخلاص الكامل ولما شرحناه: من أنّ الإخلاص الكامل


(1) السورة 4، النساء، الآيتان: 142 ـ 143.

(2) السورة 9، التوبة، الآية: 54.