المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

384

والمقصود بإخلاص العبد: إمّا هو إخلاصه لعمله لله فيصبح هو مخلصاً (بكسر اللام)، أو هو إخلاص نفسه لله فيصبح مخلَصاً (بالفتح)، ولا يبعد إرادة كلتا الدرجتين، بل كلّ الدرجات بأنّ يقال: كلّ درجة من الإخلاص لو دامت أربعين صباحاً أوجبت انفجار ينبوع الحكمة من قلبه على لسانه بما يناسب تلك الدرجة.

3 ـ روي أنّ رجلاً قال لرسول الله(صلى الله عليه وآله): «يا رسول الله إنّا نعطي أموالنا التماس الذكر، فهل لنا من أجر ؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): لا. قال: يا رسول الله ! إنّا نعطي التماس الأجر والذكر، فهل لنا أجر ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ الله ـ تعالى ـ لا يقبل إلاّ من أخلص له، ثُمّ تلا رسول الله(صلى الله عليه وآله) هذه الآية: ﴿أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ...﴾»(1).

4 ـ وهذه الرواية تجسّد مثلاً رائعاً عن إخلاص سيّد العارفين وأميرالمؤمنين عليّ عليه الصلاة والسلام، وهي ما يلي: «لمّا أدرك عمرو بن عبدودّ لم يضربه، فوقعوا في عليٍّ فردّ عنه حذيفة، فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله): مه يا حذيفة، فإنّ عليّاً سيذكر سبب وقفته، ثُمّ إنّه ضربه، فلما جاء سأله النبيّ(صلى الله عليه وآله) عن ذلك، فقال: قد كان شتم أُمّي، وتفل في وجهي، فخشيت أن أضربه لحظّ نفسي، فتركته حتّى سكن ما بي، ثُمَّ قتلته في الله»(2).

ولا يبعد أن يكون هذا المستوى من الإخلاص هو العامل المهمّ، أو أحد العوامل المهمّة في فرض رجحان ضربة عليّ(عليه السلام) على أعمال أُمّة رسول الله(صلى الله عليه وآله)جميعاً، فقد رُوِي عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنَّه قال لعليّ(عليه السلام): «... أبشر يا عليّ، فلو وزن اليوم عملك بعمل أُمّة محمّد(صلى الله عليه وآله) لرجح عملك بعملهم»(3).

وورد بسند سُنّي أنّه قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لمبارزة عليّ بن أبي طالب لعمرو بن


(1) تفسير «نمونه» 19 / 365، والآية: 3 في السورة 39، الزمر.

(2) البحار 41 / 50 ـ 51.

(3) المصدر السابق 20 / 205.