المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

434

صادق الوعد؛ لأنّه وعد رجلاً في مكان، فانتظره سنة، فسمَّاه الله صادق الوعد. ثُمَّ إنَّ الرجل أتاه بعد ذلك، فقال له إسماعيل: ما زلت منتظراً لك»(1).

والثالث: الصدق بمعنى الإحكام وواجديّة كلِّ الحقيقة (يقال: رمح صدوق أي: صلب قويٌّ) وهو الصدق في الإيمان بمعنى: أن لا يكون الإيمان مجرَّد لقلقة لسان، بل ولا مجرَّد الاعتقاد في مستوى العقل، بل يكون الإيمان قد نزل في الإنسان إلى مستوى العواطف والأحاسيس والجوارح. ولعلَّه يشير إلى هذا المعنى قوله سبحانه وتعالى: ﴿... فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ﴾(2).

والإيمان غير الصادق فيه خطر: أن يكون عارية تُسلَب في ساعة نزع الروح أو قبل ذلك. نعوذ بالله من ذلك.

ولعلَّ خير تعبير عن الإيمان الصادق التعبير الوارد في خطبة همَّام عن إمامنا أميرالمؤمنين(عليه السلام) في وصف المتّقين: «... عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم ...»(3) فهذا كما ترى لا يعطي مجرّد معنى الاعتقاد بعظمة الخالق وصغر ما دونه، فالاعتقاد بذلك قد يجتمع مع عدم الإحساس في النفس بعظمة الخالق وعدم صغر ما عداه في رؤيته الباطنيّة، فهو يرى الظالم الجبار مثلاً عظيماً، ويرى الدنيا وزبرجها عظيماً على رغم اعتقاده بانَّ هذه رؤية خياليَّة وغير مطابقة للواقع، ولكنَّ الصادق في إيمانه يلمس ويتحسَّس برؤيته الباطنية عظمة الربِّ وصغر ما سواه.

ومثال ذلك في الرؤية الظاهرية: أنَّ الشخص يرى الشيء الصغير الموضوع تحت آلة مُكبِّرة كبيراً. وهو يعلم أنَّه صغير، ويرى الشيء الكبير الموضوع تحت


(1) المصدر السابق: ص 164، الباب 109 من أحكام العشرة، الحديث 1.

(2) السورة 47، محمَّد(صلى الله عليه وآله)، الآية: 21.

(3) نهج البلاغة: 410، رقم الخطبة: 193.