المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

442

الأوّل: الإيثار عن كره، بمعنى: أنَّ الشخص يحسّ بكلفة ومؤونة حينما يؤثر أخاه المؤمن على نفسه؛ وذلك نتيجةً لحبّ نفسه وحبّه لمصالحها، وصعوبة رفع اليد عنها في سبيل غيره؛ باعتبار ما لدى الإنسان من الشحّ الذي يكاد أن لا ينفكّ من الإنسان، كما يشهد له قوله في الآية الماضية: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ...﴾ فكأنَّ الشحّ ثابت مع كلِّ نفس، إلاّ أنَّه قد يقي الله أحداً من شرّ شحّه، ويشهد لذلك ـ أيضاً ـ قوله تعالى: ﴿... وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ ...﴾(1) وهذا الإيثار نوع جهاد مع النفس وثوابه عظيم عند الله.

والثاني: الإيثار عن طوع ورضا ورغبة نفسية. وهذا أعظم وأثوب من الأوَّل. ولا يكون إلاّ بعد تربية النفس تربية كبيرة، فيصل الإنسان نتيجة لصفاء النفس الذي حصل عليه بالتربية إلى مستوى فقدان الشحّ، فيؤثر غيره على نفسه طواعية.

أمّا الآيات المباركات التي أوردناها في صدر الحديث:

فالآية الأُولى وهي قوله: ﴿ ... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ...﴾قيل: إنَّها نزلت يوم انتصار المسلمين على يهود بني النضير، ووصول غنائمهم إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وكان المهاجرون أحوج إلى تلك الغنيمة من الأنصار؛ لأنَّهم جاؤوا بالهجرة عن وطنهم متأ خِّرين، فكانوا أبناء سبيل، في حين أنَّ الأنصار كانوا يعيشون في بيوتهم، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله)للأنصار: «إن شئتم قسَّمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم، وتشاركونهم في هذه الغنيمة، وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسّم لكم شيء من الغنيمة، فقال الأنصار: بل نقسِّم لهم من أموالنا وديارنا، ونؤثرهم بالغنيمة، ولا نشاركهم فيها» فنزلت: ﴿ ... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ...﴾(2).


(1) السورة 4، النساء، الآية: 128.

(2) مجمع البيان: مج 5 / 9 / 430.