المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

444

اذهب فابتع لأهلك طعاماً. فخرج من عنده، فلقيه المقداد بن الأسود، وقاما ما شاء الله أن يقوما، وذكر له حاجته، فأعطاه الدينار، وانطلق إلى المسجد، فوضع رأسه فنام، فانتظره رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلم يأتِ، ثُمَّ انتظره فلم يأتِ، فخرج يدور في المسجد فإذا هو بعليّ(عليه السلام) نائماً في المسجد، فحرّكه رسول الله(صلى الله عليه وآله)فقعد، فقال له: يا عليّ ما صنعت ؟ فقال: يا رسول الله خرجت من عندك فلقيني المقداد بن الأسود، فذكر لي ما شاء الله أن يذكر، فأعطيته الدينار، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) أمّا إنَّ جبرئيل فقد أنبأني بذلك، وقد أنزل الله كتاباً فيك: ﴿... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾»(1).

والآية الثانية قوله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ...﴾.

والمقصود بالبِرِّ: إمَّا هو العمل البِرِّ، أي: لن تصلوا إلى العمل البِرِّ حتّى تنفقوا ممّا تحبون، أو هو الثواب البِرِّ، أي: لن تثابوا الثواب الواسع الحسن حتّى تنفقوا ممَّا تحبون. ولعلَّ التفسير الأوَّل أوضح. وإنَّما جاء الحصر في الآية؛ لأنَّ قيمة العمل تكون بمقدار التضحية، والتضحية إنَّما تكون في إنفاق ما يحبُّه الإنسان دون إنفاق ما لا يهمُّه.

وقد روي عن أبي الطفيل قال: «اشترى عليٌّ(عليه السلام) ثوباً فأعجبه، فتصدَّق به، وقال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: مَنْ آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنَّة، ومَنْ أحبّ شيئاً فجعله لله قال الله تعالى يوم القيامة: قد كان العباد يكافؤون فيما بينهم بالمعروف، وأنا أُكافيك اليوم بالجنّة»(2).

وقيل: «أضاف أبو ذر الغفاري ضيفاً، فقال للضيف: إنّي مشغول، وإنَّ لي إبلاً، فاخرج واتني بخيرها. فذهب فجاء بناقة مهزولة، فقال له أبو ذرّ: خنتني بهذه !


(1) المصدر السابق: ص 317 ـ 318.

(2) مجمع البيان: مج 1 / 2 / 342.