المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

450

وعن جميل بن درّاج قال: «سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم. ومنْ خالص الإيمان البرّ بالإخوان، والسعي في حوائجهم؛ فإن البارّ بالإخوان ليحبّه الرحمان، وفي ذلك مرغمة للشيطان، وتزحزح عن النيران، ودخول الجنان. يا جميل أخبر بهذا غرر أصحابك، قلت: جعلت فداك مَنْ غرر أصحابي ؟ قال: هم البارّون بالإخوان في العسر واليسر. ثُمَّ قال: يا جميل أما إنَّ صاحب الكثير يهون عليه ذلك. وقد مدح الله ـ عزَّ وجلَّ ـ في ذلك صاحب القليل، فقال في كتابه: ﴿ ... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ...﴾»(1).

وأظهر الوجهين في مرجع الضمير المضاف إليه الحبّ في قوله تعالى: ﴿... وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ...﴾ أن يكون هو الطعام، فيدلُّ على الحاجة والجوع، فيكون ذلك من الإيثار الراقي، وأن لا يكون المرجع هو الله سبحانه وتعالى؛ فإنَّ خصوصية كون العمل لله مفهومة من الآية التالية لهذه الآية، وهي قوله: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُوراً﴾.

وقد يقول قائل: إنَّ الأَوجه هو: رجوع الضمير إلى الله؛ لأنَّ رجوعه إلى الطعام يعطي معنى حبّ الطعام الراجع إلى حبّ الذات، في حين أنَّهم(عليهم السلام)ذائبون في حبِّ الله، ولايفعلون شيئاً إلاّ لحبِّ الله، لا لحب أنفسهم.

ولكنَّ الواقع: أنَّ حبَّ الذات إن فُسِّر بمعنى التألم بالألم؛ باعتبار ما يفترض في مورد الآية المباركة من ألم الجوع، فهذا أمر ذاتي للإنسان، ولا يتوقَّف على أيّة أنانيّة ينبغي ذوبانها في ذات الله.

وهناك معنى آخر للإيثار غير المعنى الذي بحثناه حتّى الآن، أو قلْ: مصداق آخر للإيثار غير تقديم الأخ المؤمن على نفسه، وهو: إيثار رضا الله ـ تعالى ـ على


(1) المصدر السابق.