المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

451

رضا غيره. وهذا ـ أيضاً ـ مندمج في آيات سورة هل أتى حيث قال: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ ...﴾ أي: أنَّ العمل كان لتحصيل رضا الله تعالى. ومَنْ تكون أعماله لتحصيل رضا الله فمن الطبيعي أنَّه يقدّم رضا الله على رضا غيره.

وذكر بعض العرفاء المنحرفين عن عرفان أهل البيت(عليهم السلام) ـ الذي هو العرفان الحقيقي ـ: أنَّ هناك درجة ثالثة للإيثار غير الإيثارين اللذين عرفتهما، وهو: إيثار الإيثار، أي: أن يترك فرض كونه قد آثر؛ لأنَّ ادِّعاء الإيثار يستدعي ادِّعاء الملك، فالذي آثر هو الله تعالى وليس هو؛ لأنَّه المالك الحقيقي، ثُمَّ يترك رؤيته؛ لكون الإيثار إيثار الله، ويترك الترك أيضاً؛ لأنَّ كلَّ هذا يعني: أن يرى لنفسه حظَّاً من الوجود وفعلاً أو تركاً، في حين أنّ الله هو الفعّال لما يريد، وقد قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ...﴾(1).

أقول: إنَّ هذا النمط من الحديث يتفرَّع على الغفلة عن الوجود التبعي الذي هو عين التبعية والإشراق للوجود المستقل، وأنَّ أفعال هذا الوجود التبعي أفعال للوجود المستقل بالواسطة لا بالمباشرة. وهذا هو المعنى الدقيق للأمر بين الأمرين الذي غفل عنه المنحرفون عن خط أهل البيت(عليهم السلام). ولتفصيل الكلام في ذلك مجال آخر. وقد مضى مقدار من الحديث عن ذلك في الحلقة الأُولى من هذا الكتاب. وأقول هنا: لو أنكرنا حتّى الوجود التبعي للمخلوق فإرسال الرسل وإنزال الكتب لماذا ؟ ! وتزكية النفس أو التربية العرفانية لمن ؟ !

 


(1) راجع منازل السائرين بشرحيه، أعني: شرح الكاشاني: 102 وشرح التلمساني: 252 ـ 253، والآية: 128 في السورة 3، آل عمران.