المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

454

«إنَّما بُعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق»(1).

وبقوله المرويّ أيضاً: «بُعثت بمكارم الأخلاق ومحاسنها»(2) إلاّ أنَّه قد يُطلق على خصوص حسن المعاشرة والتعامل مع الخَلْق، وقد يضاف إليه الخالق، إلاّ أنّ الثاني يعود مرّة أُخرى إلى جانب الخُلُق بالمعنى العام؛ فانَّه جميعاً يبعث بمرضاة الخالق، فيدخل في حسن التعامل مع الخالق. فنحن ـ هنا ـ نقصد بحسن الخُلُق خصوص الأوّل، أعني: حسن المعاشرة والتعامل مع الخَلْق.

ونشير ـ هنا ـ إلى الخطأ الوارد عن العرفاء المنحرفين عن عرفان أهل البيت(عليهم السلام)حيث يقول القائل منهم: «إنَّ حسن المعاشرة مع الخَلْق يرتبط بمعرفتك مقام الخَلْق، إنّهم بأقدارهم مربوطون، وفي طاقتهم محبوسون، وعلى الحكم موقوفون. فتستفيد بهذه المعرفة ثلاثة أشياء: أمن الخَلْق منك حتّى الكلب، ومحبَّة الخَلْق إياك ونجاة الخَلْق بك»(3).

فترى أنَّه ربط حسن الخُلُق مع الناس بالاعتقاد بالجبر، وأنَّهم جميعاً ـ إذن ـ معذورون؛ لأنَّهم مربوطون بأقدارهم، وموقوفون على حكم القضاء بشأنهم، فعلى ماذا نتأذَّى منهم أو نجازيهم بالسوء. فالمفروض أن يأمن الخَلْق جميعاً منّا. وهذا معنى ما يقال: من أنّ الصوفي يؤمن بالتصالح مع جميع الناس.

أقول: ومع القول بالجبر لا يبقى موضوع للأخلاق وللحسن والقبح، ولا يبقى معنى للتبرؤ من أعداء الله الذي هو فرع مهم من فروع الدين. ولئن كان من الضروري أمن الناس جميعاً من المؤمن فأين الجهاد، وأين الحدود، وأين التعزيرات ؟ !


(1) البحار 16 / 210، و 71 / 382.

(2) المصدر السابق: ص 287، و 69 / 405.

(3) راجع منازل السائرين لعبد الله الأنصاري قسم الأخلاق باب الخلق.