المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

458

رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّ هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤذوها، فقالوا: يا رسول الله هي حرّة لممشاك. فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) الحمد لله: ما رأيت اثني عشر درهماً أعظم بركة من هذه: كسا الله بها عريانين، وأعتق نسمة»(1).

الثانية: عن موسى بن جعفر(عليهما السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين (عليهم السلام) «إنَّ يهودياً كان له على رسول الله (صلى الله عليه وآله) دنانير فتقاضاه، فقال له: يا يهوديّ، ما عندي ما اُعطيك، فقال: فإنِّي لا أُفارقك يا محمّد حتّى تقضيني، فقال: إذن أجلس معك. فجلس معه حتّى صلَّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله يتهدّدونه ويتواعدونه، فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليهم فقال: ما الذي تصنعون به ؟ فقالوا: يا رسول الله يهوديّ يحبسك ؟ ! فقال(صلى الله عليه وآله): لم يبعثني ربِّي عزَّوجلَّ بأن أظلم معاهداً ولا غيره. فلمّا علا النهار قال اليهودي: أشهد أنّ لا إله إلاّ الله، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلاّ لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإنِّي قرأت نعتك في التوراة: محمّد بن عبدالله مولده بمكّة، ومهاجره بطيبة، وليس بفظّ، ولا غليظ، ولا صخّاب، ولا متريّن بالفحش، ولا قول الخناء، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنَّك رسول الله، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله. وكان اليهودي كثير المال ...»(2).

أختم الحديث عن حسن الخُلُق بالإشارة إلى نموذج رائع من خُلُق الإسلام، وهو: ضرورة البرّ بالوالدين بأعلى مستويات البِرّ اللذين هما خالقان مجازيان للإنسان، أي: أنَّهما من المقدِّمات الإعداديّة لوجوده، وقد يكون لا لشيء إلاّ لشهوة بينهما. وقرن شكرهما في القرآن بشكر الله والإحسان إليهما بعبادة الله الذي هو الخالق الحقيقي، في حين أنَّه في الغرب المتمدّن اليوم لا يسأل الولد عن


(1) الخصال: ص 490 ـ 491.

(2) البحار 16 / 216 ـ 217.