المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

468

وأولى من رعاية تلك المصلحة، فكان هذا منه(عليه السلام) تركاً للأولى، فلذا عوتب عليه، وخرج نور النبوَّة من صلبه؛ لأنَّهم لرفعة شأنهم وعلوِّ درجتهم يعاتبون بأدنى شيء. فهذا كان شبيهاً بالتكبُّر ولم يكن تكبُّراً»(1).

أقول: هذا الحمل إنَّما يكون بعد فرض صدق الرواية، إلاَّ أنَّ صدق الرواية عندي بعيد.

وعلى أيّ حال، فعلى عكس ما قلناه: من أنَّ العلم والعبادة يوجبان الكِبْر حينما لا يكونان جامعين للشرائط، نقول هنا: إنَّهما يوجبان التواضع والخشوع حينما يكونان إلهيين واجدين للشرائط. وإن أردت أن تقف على حقيقة ذلك، فاستمع إلى حقيقة العلم وحقيقة العبوديَّة وأثرهما عن لسان الإمام الصادق(عليه السلام) في رواية طريفة مرويَّة في البحار(2) عن عنوان البصري (وكان شيخاً كبيراً قد أتى عليه أربع وتسعون سنة) قال: «كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين، فلمَّا قدم جعفر الصادق(عليه السلام) المدينة اختلفت إليه، وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت عن مالك، فقال لي يوماً: إنِّي رجل مطلوب، ومع ذلك لي أوراد في كلِّ ساعة من آناء الليل والنهار، فلا تشغلني عن وردي، وخذ عن مالك، واختلف إليه كما كنت تختلف إليه. فاغتممت من ذلك، وخرجت من عنده، وقلت في نفسي: لو تفرَّس فيَّ خيراً لما زجرني عن الاختلاف إليه والأخذ عنه. فدخلت مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)وسلَّمت عليه، ثُمَّ رجعت من الغد إلى الروضة وصلَّيت فيها ركعتين، وقلت: أسألك يا الله يا الله أن تعطف عليَّ قلب جعفر، وترزقني من علمه ما أهتدي به إلى صراطك المستقيم. ورجعت إلى داري مغتماً، ولم أختلف إلى مالك بن أنس؛ لما أُشرب قلبي من حبِّ جعفر، فما خرجت من داري إلاّ إلى الصلاة المكتوبة حتّى


(1) مرآة العقول 10 / 215.

(2) البحار 1 / 224 ـ 226.