المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

489

قال (1) النبيُّ(صلى الله عليه وآله): «إذا أحبَّ الله عبداً من أُمَّتي قذف في قلوب أصفيائه وأرواح ملائكته وسكان عرشه محبَّته؛ ليحبُّوه، فذلك المحبُّ حقّاً، طوبى له ثُمَّ طوبى له، وله عند الله شفاعةٌ يوم القيامة».

إنّ مصدر الطاعة حينما يكون هو العلم بالمبدأ والمعاد الناتج من تقليد الآباء أو العلماء أو غيرهم، كما هو الحال لدى كثير من العوام، أو الناتج من البرهان كما هو الحال عند آخرين، تراه يختلف عمَّا إذا كان مصدر الطاعة بعد العلم هو الحبُّ لله تعالى، وأقصد بذلك: بعض المراتب العالية من الحبِّ دون أدنى الحبِّ الذي لا ينفكُّ عنه مسلم. ومَظهرُ هذا الاختلاف أُمورٌ ثلاثة:

الأوَّل: أنَّ مصدريَّة العلم للطاعة كثيراً ما تتخلَّف عن المقصود، كما ترى ذلك في كثير من الفسقة الذين يعصون على رغم علمهم بالمبدأ والمعاد، ولكن مصدريَّة الحبِّ للطاعة إذا كان في الدرجات العالية لا تنفصم ولا تتخلَّف؛ ولذا ترى أنَّ الأبوين ـ مثلاً ـ لشدَّة تعلقهما بالطفل وحبِّهما له قد يلتزمان بتهيئة مطاليب الطفل التي لا تضرُّ به أكثر من التزامهما بطاعة الله الذي تجب عقلاً إطاعته، وإن هو إلاّ لكون الطفل أحبّ إليهما من الله. وقد رُوي عن الصادق(عليه السلام)أنَّه قال: «ما أحبَّ الله ـ عزَّ وجلَّ ـ مَنْ عصاه. ثُمَّ تمثَّل فقال:

تعصي الإله وأنت تُظْهِرُ حبَّه
هذا محالٌ في الفعال بديعُ
لو كان حبُّك صادقاً لأطعتهُ
إنَّ المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ»(1)

والثاني: أنَّ الطاعة التي تنتج من الحبِّ تكون طاعة الأحرار، وهم الذين يعبدون الله تعالى؛ لأنَّه أهل للعبادة، في حين أنَّ الطاعة الناتجة من مجرّد العلم تكون طاعة الأُجراء أو العبيد، وهم الذين يعبدون الله ـ تعالى ـ طمعاً في جنَّته، أو


(1) هذا المقطع ـ أيضاً ـ تتمَّة المنقول في مصباح الشريعة نقلناه من نسخة البحار 70 / 24.

(2) البحار 70 / 15.