المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

491

تأخَّر عن أشغاله وأعماله الحياتيَّة، ولكنَّه مجبور على ذلك؛ لتحصيل شفائه من وراء فحص الطبيب إيَّاه، ووصفه للعلاج. فهذا حاله حال العباد الذين يعبدون الله، ويرون أنفسهم مجبورين على ذلك تحصيلاً للثواب، وهرباً من العقاب، ولكنَّهم يسأمون ويملُّون من ساعات الصلاة؛ لأنَّهم يحسُّون بذهاب الوقت الذي كانوا بحاجة إليه لأُمورهم المعيشيّة والحياتيَّة، إلاّ أنَّهم يصبرون على ذلك؛ لأجل الوجوب. وثانيهما يصرف ساعات من وقته في لقاء الأحبَّة، ومجلس الأُنس، وسهرة الليل، وتبادل الأحاديث معهم من كلِّ جانب، ويحسُّ في ذلك بلذَّة قصوى على رغم علمه بأنّه يصرف وقته الذي كان بحاجة إليه للنوم والراحة، أو لطلب المعاش، أو ما إلى ذلك، ولا يحسُّ بملل أو سأم من صرفه لهذا الوقت. فهذا مثله مثل مَن يعبد الله حبَّاً له وشوقاً إليه، فهو يحسُّ بلذَّة المناجاة وحلاوة الخلوة مع الله مع فارق كبير بين الممثل والمثال؛ لأنَّ حبَّ الأوَّل لأصحابه حبٌّ دنيويٌّ ضعيف، وحبُّ الثاني لله حبٌّ حقيقي ناتج من جمال الله وعظمته. وشتَّان ما بين الثرى والثريَّا.

وقد ورد في مصباح الشريعة: «... ألا وإنَّك لو وجدت حلاوة عبادة الله، ورأيت بركاتها، واستضأت بنورها، لم تصبر عنها ساعةً واحدةً ولو قُطِّعت إرباً إرباً ...»(1).

وفي الحديث عن الصادق(عليه السلام): «إذا تخلَّى المؤمن من الدنيا سما ووجد حلاوة حبِّ الله، وكان عند أهل الدنيا كأنَّه قد خُولِط، وانَّما خالط القوم حلاوة حبِّ الله، فلم يشتغلوا بغيره»(2).

وما أشبه هذا التعبير في هذا الحديث الذي تلوناه بالتعبير الوارد عن


(1) البحار 70 / 69.

(2) البحار 73 / 56.