المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

496

ينفرد عن المعرفة بجمال الله وعظمته التي لا تكون إلاّ بعد العلم بالله. ولم نقصد المقابلة بين الحبِّ وحده والعلم وحده؛ فإنَّ أساس الحبِّ هو المعرفة الناتجة من العلم. ولايمكن أن يكون حبٌّ مورث للآثار الماضية بلا معرفة، فمتى ما أنتجت المعرفة الحبَّ الخالص الصادق، أصبحت عبادة المؤمن عبادة الأحرار، واقترنت بلذَّة لاتدانيها لذَّة، وعصمت صاحبها من أيِّ معصية أو ذنب.

وقد ورد في مصباح الشريعة عن الصادق(عليه السلام) ما يلي: «نجوى(1) العارفين تدور على ثلاثة أُصول: الخوف، والرجاء، والحبُّ. فالخوف فرع العلم، والرجاء فرع اليقين، والحبُّ فرع المعرفة. فدليل الخوف الهرب، ودليل الرجاء الطلب، ودليل الحبِّ إيثار المحبوب على ما سواه. فإذا تحقّق العلم في الصدر خاف، وإذا صحَّ الخوف هرب، وإذا هرب نجا، وإذا أشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل، وإذا تمكَّن من رؤية الفضل رجا، وإذا وجد حلاوة الرجاء طلب، وإذا وُفِّقَ للطلب وجد، وإذا تجلَّى ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبَّة، وإذا هاج ريح المحبَّة استأنس ظلال المحبوب، وآثر المحبوب على ما سواه، وباشر أوامره، واجتنب نواهيه، واختارهما على كلِّ شيء غيرهما، وإذا استقام على بساط الأُنس بالمحبوب مع أداء أوامره واجتناب نواهيه، وصل إلى روح المناجاة والقرب. ومثال هذه الأُصول الثلاثة كالحرم والمسجد والكعبة، فمَنْ دخل الحرم أمِن من الخَلْق، ومَنْ دخل المسجد أمِنت جوارحه أن يستعملها في المعصية، ومَنْ دخل الكعبة أمِن قلبه من أن يشغله بغير ذكر الله.

فانظر(2) أيُّها المؤمن فإن كانت حالتك حالة ترضاها لحلول الموت، فاشكر


(1) يعني: المناجاة.

(2) من هنا قد يكون تكملة لكلام الإمام الصادق(عليه السلام)، وقد يكون تفريعاً لمن جمع نصوص مصباح الشريعة.