المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

498

وإنَّه ليتقرَّب إليَّ بالنافلة حتّى أُحبَّه، فإذا أحببته كنت إذن سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته»(1).

قوله: «ما تردَّدت في شيء أنا فاعله كتردِّدي في وفاة المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته».

إنَّ التردُّد بمعناه المألوف لدينا مستحيل على الله سبحانه، إلاّ أنَّ الشيخ البهائي(رحمه الله) ذكر في المقام عِدَّة توجيهات لهذه الجملة(2):

1 ـ إنَّ في الكلام إضماراً وتقديراً، أي: لو جاز عليَّ التردُّد ما تردَّدت في شيء كتردّدي في وفاة المؤمن.

2 ـ إنَّ هذا الكلام فيه استعارة تمثيليَّة، فهو يكنِّي عن توقير المؤمن واحترامه؛ باعتبار أنَّ الإنسان عادةً يتردَّد في عمل يوجب إساءة مَنْ يحترمه ويوقِّره كالصديق الوفيِّ والخلِّ الصفيِّ، بخلاف مَنْ لا يقدّره ولا يوقِّره كالعدو والحيَّة والعقرب.

3 ـ إنَّه ورد في الحديث من طرق الخاصَّة والعامَّة: أنَّ الله ـ سبحانه ـ يظهر للعبد المؤمن عند الاحتضار من اللُطف والكرامة والبِشارة بالجنَّة ما يزيل عنه كراهة الموت، ويوجب رغبته في الانتقال إلى دار القرار، فيقلُّ تأذِّيه به، ويصير راضياً بنزوله، راغباً في حصوله، فأشبهت هذه الحالة معاملة مَنْ يريد أن يؤلم حبيبه ألماً يتعقَّبه نفع عظيم، فهو يتردَّد في أنَّه كيف يوصل ذلك الألم إليه على وجه يقلُّ تأذِّيه به، فلا يزال يظهر له ما يرغِّبه فيما يتعقَّبه من اللذَّة الجسميَّة والراحة العظيمة إلى أن يتلقَّاه بالقبول، ويعدُّه من الغنائم المؤدِّية إلى إدراك المأمول.


(1) اُصول الكافي: 2 / 352.

(2) أخذتها من مرآة العقول: 10 / 384 ـ 385، وكذلك المجلد التاسع: ص 297 ـ 298.