المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

501

ذاته المقدَّس في كلِّ تطلُّعاتهم وآمالهم، ولا يلتفتون إلى غيره سبحانه من العوالم، بل لا يفكِّرون في أنفسهم وكمالاتهم.

وإمَّا أن ينغمروا في زخارف الدنيا، ويخوضوا في ظلمات حبِّ الجاه والمال، وتكون قلوبهم متجهةً نحو الأنانيّة والإنِّية من دون أن يعبأوا بالعالم الأقدس، ويأبهوا بالملكوت الأعلى، وهم الملحدون في أسماء الله.

والطائفة الثالثة هم الذين ينتبهون إلى العالم الأرفع نتيجة نور إيمانهم، ويكرهون الموت لالتفاتهم إلى هذا العالم، فعُبِّر عن هذا التجاذب بين المُلك والملكوت، والغيب والمادَّة، والآخرة والدنيا بالتردُّد، ونُسِبَ هذا التردُّد إلى الله بالبيان الماضي(1).

قوله: «وإنَّ من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلاّ الغنى...» هذا المقطع ورد في نقل آخر بشكل أكثر شرحاً، فقال: «... وإنَّ من عبادي المؤمن لمن يريد الباب من العبادة فأكفُّه عنه؛ لئلاَّ يدخله عُجب ويفسده، وإنَّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإنَّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإنَّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالسقم، ولو صححت جسمه لأفسده ذلك، وإنَّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك. إنِّي أُدبِّر عبادي بعلمي بقلوبهم، فإنِّي عليم خبير»(2).

وحقَّاً أنَّ هذا المقطع يبرِّد قلب المؤمن على أ يَّة حال يكون ما دام يعلم يقيناً أنَّ الله ـ تعالى ـ لا يريد إلاّ الخير بعباده، فلو سُقِم أو أُفقر فلعلَّ الصحّة أو الغنى كان يوجب له البطر، ولو أُغني أو عوفي فلعلَّ الفقر أو السقم كان يوجب له الجزع


(1) الأربعون حديثاً للسيّد الإمام(رحمه الله)، ترجمة السيّد محمَّد الغروي ّ: 524.

(2) البحار 70 / 16 ـ 17.