المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

503

لايخفى أنَّ كون الفرائض أحبُّ إلى الله من النوافل، لا ينافي كون بعض المستحبات أثوب عند الله من الواجب، كما يقال في السَّلام وردِّ السَّلام؛ فإنَّ وجه أحبِّية الواجب اشتماله على المصلحة الملزمة؛ ولهذا يكون تركه مبغوضاً لله عزَّوجلَّ، في حين أنَّ المستحب ليست مصلحته إلزاميَّة؛ ولهذا يرخِّص الشارع في الترك. وهذا لاينافي أثوبيّة المستحب؛ فإنَّ الثواب لا يدور مدار المصلحة، بل يدور مدار مقدار التضحية والإخلاص، ولا شكَّ أنَّ التضحية الموجودة في الابتداء بالسلام أكثر من التضحية الموجودة في جواب السلام، بل على العموم إنَّ الالتزام بالمستحبات على رغم الإحساس بعدم الوجوب، يكون أثقل على النفس من الالتزام بالواجبات؛ لأنَّ الإحساس بوجوبها يكفي في انبعاث الداعي في نفس المؤمن الابتدائي إلى العمل، في حين أنَّ الالتزام بأمر غير واجب يكشف عن إخلاص أكثر وهمَّة أقوى.

وقد ذكر علماؤنا (رضوان الله عليهم) تفاسير عديدة للتعبير بـ «كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به...»:

منها: ما قاله الشيخ البهائي(رحمه الله): من أنَّ المراد ـ والله العالم ـ أنِّي إذا أحببت عبدي جذبته إلى محلِّ الأُنس، وصرفته إلى عالم القدس، وصيَّرت فكره مستغرقاً في أسرار الملكوت، وحواسَّه مقصورة على اجتلاء أنوار الجبروت، فيثبت ـ حينئذ ـ في مقام القرب قدمه، ويمتزج بالمحبَّة لحمه ودمه إلى أن يغيب عن نفسه، ويذهل عن حسِّه، فيتلاشى الأغيار في نظره حتّى أكون له بمنزلة سمعه وبصره كما قال مَنْ قال:

جنوني فيك لا يخفى
وناري منك لا تخبو
فأنت السمعُ والأبصارُ
والأركانُ والقلبُ(۱)
 


(1) راجع مرآة العقول 10 / 391.