المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

504

أقول: وكما يُفهَم من هذا التفسير: إنَّ هذا المقام لا يحصل إلاّ بجذب الله تعالى لعبده إيَّاه بعد أن يحبَّ عبده، وإلاَّ فالعبد قاصر عن الوصول إلى هذا المقام. ولنعم ما تمثَّل به السيّد الإمام الخمينيّ(رحمه الله) هنا من البيت الفارسي، وهو:

تا كه از جانب معشوق نباشد كششى
كوشش عاشق بى چاره بجائى نرسد(1)

أمَّا عن أقسام المحبَّة فأدنى أقسام المحبَّة هو:

القسم الأوّل: للحبِّ وهو: الحبّ الحيوانيّ البحت، وهو: أنَّ الإنسان كالحيوان يحبُّ ما يوجب التذاذ قوَّة من قواه، كقوَّة الباصرة في المبصرات المحسَّنة، أو الذائقة في المذوقات الشهيَّة، أو الشامَّة في الروائح الطيِّبة، أو ما إلى ذلك ممَّا يعود في واقعه إلى حبِّه للذائذ نفسه، لا إلى حبِّه بالمعنى الحقيقي للكلمة لذاك المحبوب. وهذا الحبُّ مشترك بين الإنسان والحيوان بفرق: أنَّ الإنسان أدقُّ من الحيوان في التفنُّن في هذه الالتذاذات، وأوسع التذاذاً من الحيوان، فالإنسان يدرك من روائع الصور ما لا يدركه الحيوان، وكذلك من روائع المطعومات وما إلى ذلك، إلاّ أنَّ هذا الفرق ليس فارقاً جوهريَّاً، وهذا الحبُّ لا قيمة أخلاقيَّة أو عرفانيَّة له على الإطلاق؛ لأنَّه في الحقيقة لم يتجاوز حبَّ الذات، وكلُّ ما في الأمر إنَّما هو حبُّ التلذُّذ وبغض الألم.

والقسم الثاني: للحبِّ هو: أنَّ الإنسان عادةً يحبُّ وجود نفسه وحياته، وذلك أمر فطريٌّ وجبلِّيٌّ للبشر، فإن أدَّى هذا الحبُّ إلى حبِّ واهب الوجود بنفس منطق حبِّ الالتذاذ بالوجود، رَجَعَ إلى القسم الأوَّل وإن أدَّى إلى حبِّ واهب الوجود بمنطق أنَّ المحسن إلينا يستحقُّ الحبَّ، رَجَعَ إلى ما سوف يأتي إن شاء الله من القسم الثالث وإن أدَّى إلى حبِّ واهب الوجود باعتبار أنَّ وجودنا إن هو إلاَّ


(1) چهل حديث للسيّد الإمام الخمينيّ(رحمه الله): 591.