المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

505

وجوداً تعلقيَّاً بحتاً، وأنَّ الوجود الاستقلالي ليس إلاّ لله تعالى، فهو المستحقُّ للحبِّ. فهذه درجة عالية من الحبِّ العرفاني الذي لا يناله إلاَّ مَنْ له حظٌّ عظيم، ولا يدركه إلاّ صاحب القلب المُرهَف، و﴿إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْب سَلِيم﴾ ولا يكفي في ذلك مجرّد الإحساس العقلي والعلمي والبرهاني بانحصار الوجود الاستقلالي بالله تعالى، بل يحتاج إلى الإحساس بذلك بالضمير والوجدان وعين البصيرة. رزقنا الله ـ تعالى ـ ذلك بحقِّ محمِّد وآله.

ولعلَّ هذا أحد معاني «مَنْ عرف نفسه فقد عرف ربَّه...»(1) أي: أنَّ الإنسان لا يعرف الوجود المستقل إلاّ إذا عرف وجوده التعلقي، وأنَّه ليس إلاّ تعلُّقاً بحتاً.

وبمناسبة حديث «مَنْ عرف نفسه فقد عرف ربَّه» أستذوق أن أنقل هنا كلمة لطيفة منسوبة إلى بعض العلماء، وكأنَّه قصد بها تفسير هذا الحديث قال:

«الروح لطيفة لاهوتيَّة، في صفة ناسوتيَّة، دالَّة من عشرة أوجه على وحدانيَّة ربَّانيَّة:

1 ـ لمَّا حرَّكت الهيكل ودبَّرته علمنا أنَّه لابدَّ للعالم من مُحرِّك ومُدبِّر.

2 ـ دلَّت وحدتها على وحدته.

3 ـ دلَّ تحريكها للجسد على قدرته.

4 ـ دلَّ اطلاعها على ما في الجسد على علمه.

5 ـ دلَّ استواؤها إلى الأعضاء على استوائه إلى خلقه.

6 ـ دلَّ تقدُّمها عليه وبقاؤها بعده على أزله و أبده.

7 ـ دلَّ عدم العلم بكيفيتها على عدم الإحاطة به.

8 ـ دلَّ عدم العلم بمحلِّها من الجسد على عدم أينيَّته.

9 ـ دلَّ عدم مسِّها على امتناع مسِّه.


(1) البحار 2 / 32.