المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

506

10 ـ دلَّ عدم إبصارها على استحالة رؤيته»(1).

أقول: وقد دلَّت إحاطتها بمخلوقاتها الذهنية بالعلم الحضوري على إحاطة الله بكلِّ الموجودات بالعلم الحضوري.

وقد دلَّ ارتباط مخلوقاتها الذهنيَّة بإفاضته لها الوجود آناً فآناً (فلو قطعت النظر عنها لحظة واحدة لانعدمت) على ارتباط العالم أجمع بالله تعالى كذلك، فهو إنَّما يدوم بإفاضة الله ـ سبحانه وتعالى ـ الوجود إيَّاهُ لحظة فلحظة، ولو قطع الله الإفاضة عن العالم لانعدم العالم.

وقد دلّ تحريكها للجسد بمجرد الإرادة على أنَّه ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْء وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾(2).

والقسم الثالث: للحبِّ حبُّ من أحسن إلينا، وهذا الحبُّ أحد منشأيه: حبُّ الذات، ولكن ليس هو عين حبِّ الذات، كما كان كذلك في مثل حبِّ الصور الرائعة الحسيَّة، أو المطعومات الشهيَّة، أو الروائح العطرة، بل هنا قد تجاوز ـ حقّاً ـ الحبَّ إلى غير المحبِّ، وهو المحسن. ومنشأه الآخر إدراك الضمير لاستحقاق هذا المحسن الحبَّ حينما يكون إحسانه إلينا فعلاً حسناً في إدراك الضمير الُخلُقي. وهذا القسم من الحبِّ ينمو ويشتدَّ في العبد بالنسبة لله تعالى بقدر ازدياد اكتشاف العبد لنعم الله ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾(3).


(1) البحار 61 / 99 ـ 100.

(2) السورة 36، يس، الآيتان: 82 ـ 83 .

(3) السورة 14، إبراهيم، الآيات: 32 ـ 34.