المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

512

وارتعدت فرائصهم، ووجلت قلوبهم، وكان الحسين(عليه السلام) وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم، وتهدأ جوارحهم، وتسكن نفوسهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا لا يبالي بالموت، فقال لهم الحسين(عليه السلام): صبراً بني الكرام فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة(1) فأ يّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ؟ ! وما هو لأعدائكم إلاّ كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب. إنَّ أبي حدّثني عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): أنَّ الدنيا سجن المؤمن وجنَّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم. ما كَذبت ولا كُذبت»(2).

وقد ورد في الصحيفة السجاديَّة عن إمامنا زين العابدين: « ... واجعل لنا من صالح الأعمال عملاً نستبطئ معه المصير إليك، ونحرص له على وشك اللحاق بك، حتّى يكون الموت مأنسنا الذي نأنس به، ومألفنا الذي نشتاق إليهِ، وحامَّتنا التي نحبُّ الدنو منها...»(3).

ولا ينافي تمنِّي الموت وحبّه بهذا المعنى ما ورد في بعض الروايات من النهي عن تمنِّي سرعة حلول الموت، وذلك من قبيل المرسلة الواردة في دعوات الراوندي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لاتتمنُّوا الموت؛ فإنَّ هول المطَّلع شديد، وإن من سعادة المرء أن يطول عمره، ويرزقه الله الإنابة إلى دار الخلود»(4) فإنَّ أصل حبِّ الموت يجتمع مع عدم تمنِّي اقترابه حينما يكون الأوَّل بروح لقاء الله، أو لقاء ثوابه. والثاني بروح الإكثار من ثواب الله، أو من مرضاته. وقد ورد في الأدعية


(1) الظاهر أنّ الصحيح: (النعيم الدائم) أو (النعم الدائمة).

(2) البحار 6 / 154 و 44 / 297.

(3) الصحيفة السجاديَّة، الدعاء الأربعون.

(4) البحار 6 / 138.