المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

516

وليس الهدف من نقلنا لهذه الكلمات التشجيع على ترك الأعمال الاجتماعيَّة والسياسيَّة في سبيل الإسلام، وإنَّما الهدف مجرّد التنبيه على لذَّة الخلوة بالله التي لابدَّ منها في بعض آناء الليل أو النهار، والليل أنسب. وقد مضى منَّا في الأبحاث السابقة أنَّ الإسلام نظام ذو أبعاد: فمنها بُعد العرفان والانقطاع إلى الله والاختلاء به، ومنها بُعد القضايا السياسيَّة والاجتماعيّة، ولا يصحُّ حذف بعضها من برنامج الحياة في سبيل بعض.

وفي الحديث(1) عن إمامنا الصادق(عليه السلام) قال: «كان فيما ناجى الله ـ عزَّوجلَّ ـ به موسى بن عمران أنَّه قال: يا ابن عمران، كذب من زعم أنّه يحبُّني فإذا جنَّه الليل نام عنِّي، أليس كلُّ محبٍّ يحبُّ خلوة حبيبه ؟ ! ها أنا ذا يا ابن عمران، مطَّلع على أحبَّائي، إذا جنَّهم الليل حوَّلت أبصارهم من قلوبهم، ومثَّلت عقوبتي بين أعينهم، يخاطبوني عن المشاهدة، ويكلِّموني عن الحضور، يا ابن عمران، هب لي من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع في ظلم الليل، وادعني، فإنَّك تجدني قريباً مجيباً».

ومن الطريف أنَّ الله ـ تعالى ـ عبَّر في كتابه عن تعامله مع المؤمنين بالشراء ؛ إذ قال: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ...﴾(2) في حين أنَّه عبَّر في هذا الحديث القدسي عن تعامله مع المحبِّين بالهبة؛ إذ قال: «... هب لي من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع في ظلم الليل...».

ولعلَّ هذا إشارة إلى الفارق الكبير بين درجة الإيمان ودرجة الحبِّ، فالمؤمن الذي لم يصل بعدُ إلى مستوى الحبِّ الكامل يتعامل مع الله بالبيع والشراء، فيعطيه نفسه وماله في مقابل الجنَّة، أمَّا المحبُّ فيهب لله ما لديه من دون توقُّع العوض.


(1) البحار 13 / 329 ـ 330، و 70 / 14 ـ 15، و 87 / 139.

(2) السورة 9، التوبة، الآية: 111.