المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

518

يا ربنا، ما بلغ بعبادك هذه الكرامة ؟ فيقول الله ـ جلَّ جلاله ـ إنَّهم كانوا يقومون بالليل ولا ينامون، ويصومون بالنهار ولايأكلون، ويجاهدون العدوَّ ولا يجبنون، ويتصدَّقون ولا يبخلون»(1).

الرابعة: من علامات حبِّ الله حبُّ الجهاد وتعشُّق الشهادة. وقد يكون ناظراً إلى هذا صدر الحديث الذي مضى ذكره قبل صفحات عن قِصَّة الحسين(عليه السلام) في وقعة كربلاء: كان الحسين(عليه السلام) وبعض مَن معه من خصائصه كُلَّما اشتدَّ الأمر تشرق ألوانهم، وتهدأ جوارحهم، وتسكن نفوسهم(2).

والسرُّ في جعل هذه العلامة مستقلَّةً عن حبِّ الموت الذي مضى الحديث عنه هو: أنَّ هذا أعلى مستوىً من مستويات البذل في الله والتضحية في سبيل الله، فلا شيء لدى الإنسان من أُموره الدنيوية أغلى من نفسه وحياته: لا ماله، ولا أهله وعياله، ولا أصحابه وأحبَّاؤه، فإذا بذل مهجته في سبيل الله متعشِّقاً ذلك، كان هذا آية حبِّه لله تعالى.

وقد ورد في الحديث:

1 ـ عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه(عليهم السلام) أنَّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال: « فوق كلِّ ذي بِرٍّ برٌّ حتّى يُقتل في سبيل الله، فإذا قُتِلَ في سبيل الله فليس فوقه بِرٌّ. وفوق كلِّ ذي عقوق عقوقٌ حتّى يقتل أحد والديه، فليس فوقه عقوق»(3).

فالسرّ في كون القتل في سبيل الله فوق كلِّ برٍّ، ما أشرنا إليه: من أنَّه أقوى درجات التضحية والبذل. والسرُّ في كون قتل أحد الوالدين فوق كلِّ عقوق: أَنَّ العقوق يحصل من هضم ذي الحقِّ حقَّه، ولا يوجد بحسب الحقوق البشريَّة فيما


(1) المصدر السابق: ص 139.

(2) راجع بحار الأنوار: 6/154، و 44/297.

(3) الوسائل 15/17، الباب 1 من جهاد العدوِّ، الحديث 21.