المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

525

حقَّه، ويتعبَّد بين يديه حتّى إذا خرج منها إلى سائر حقول الحياة ودَّع العبادة، وانصرف إلى شؤون دنياه إلى حين الرجوع ثانية إلى تلك الأماكن الشريفة.

وهذه الثنائيَّة بين العبادة ونشاطات الحياة المختلفة تشلُّ العبادة، وتُعطِّل دورها التربوي البنَّاء في تطوير دوافع الإنسان، وجعلها موضوعيّة، وتمكينه من أن يتجاوز ذاته ومصالحه الضيِّقة في مختلف مجالات العمل ...

إلى أن قال(رحمه الله) ( وهذا هو المقطع الذي أردنا أن نستشهد به في المقام ):

وأمَّا الاتِّجاه الثاني الذي يحصر الحياة في إطار ضيِّق من العبادة، فقد حاول أن يحصر الإنسان في المسجد بدلا عن أن يمدِّد معنى المسجد ليشمل كلَّ الساحة التي تشهد عملا صالحاً للإنسان.

ويؤمن هذا الاتِّجاه بأنَّ الإنسان يعيش تناقضاً داخليَّاً بين روحه وجسده، ولايتكامل في أحد هذين الجانبين إلاّ على حساب الجانب الآخر، فلكي ينمو ويزكو روحيَّاً يجب أن يحرم جسده من الطيِّبات، ويقلِّص وجوده على مسرح الحياة، ويمارس صراعاً مستمرَّاً ضدَّ رغباته وتطلُّعاته إلى مختلف ميادين الحياة؛ حتّى يتمّ له الانتصار عليها جميعاً عن طريق الكفِّ المستمرِّ، والحرمان الطويل، والممارسة العباديَّة المحدَّدة.

والشريعة الإسلاميَّة ترفض هذا الاتِّجاه أيضاً؛ لأنّها تريد العبادات من أجل الحياة، فلا يمكن أن تصادر الحياة من أجل العبادات. وهي في الوقت نفسه تحرص على أن يسكب الإنسان الصالح روح العبادة في كلِّ تصرفاته ونشاطاته، ولكن لا بمعنى أنَّه يكفُّ عن النشاطات المتعدّدة في الحياة، ويحصر نفسه بين جدران المعبد، بل بمعنى أن يحوِّل تلك النشاطات إلى عبادات، فالمسجد منطلق للإنسان الصالح في سلوكه اليومي، وليس محدداً لهذا السلوك ...

والثاني: لا يتوهَّم أحد: أنَّنا إذا انتهينا إلى حبِّ الله فقد استغنينا عن الطاعة؛ لأنَّ