المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

539

5 ـ ﴿كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (1) * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾(2).

لا إشكال ولا ريب في أنَّ الإنسان الاعتيادي لا يتحرّك عن طريق محض الإيمان العقلي بالحسن والقبح إلاّ في نطاق ضيِّق جداً، فإنَّ الإنسان بطبيعته كسول ميَّال للدعة والراحة، وهو يطلب ـ عادة ـ أجراً على ما يقوم به من عمل خير أو ترك شرٍّ، ويكون للذَّته وألمه الحظُّ الكبير لتحرّكه.

وبكلمة أُخرى: إنَّ الإنسان لو كان لا يملك ميولا وشهوات وعواطف خاصَّة، وغرائز تجرُّه في كثير من الأحيان إلى القبيح وترك الحسن، لكانت تربيته خُلقيَّاً سهلا. ولعلَّه كان نفس التفاته العقلي إلى الحسن والقبح كافياً في اعتناقه للأخلاق الفاضلة، ولكن أساس صعوبة التربية الأخلاقيّة يكمن في أنَّ الإنسان يملك ميولا وشهوات لها الحظُّ الأوفر للتحريك. فيا تُرى هل بالإمكان جعل الإنسان يقف تجاه هذه المحرِّكات والمغريات العظيمة بمجرد الإيمان العقلي بحسن الحسن وقبح القبيح ؟ ! كلاّ . وهذه المشكلة الأساسيّة بحاجة إلى حلٍّ أساس وجذري.

ومن حلول الإسلام لذلك جعل قوانين ونُظُم لو طُبّقت للبَّت تلك الميول والغرائز بقدر واسع من دون أن تقع الحاجة إلى ما هو غير نظيف خُلُقيّاً. وهذا الحلُّ يكون على وفق الفطرة التي فطر الناس عليها.

إلاّ أنَّ هذا الحلَّ ـ إضافة إلى أنَّه لو كان وحده كان ناقصاً؛ لأنَّ جموح الإنسان وطغيان شهواته قد يجعله لا يكتفي بالقدر النظيف، ويحاول أن يمدّ يده إلى غير النظيف ـ إنَّما هو حلٌّ يتحقَّق بعد تطبيق الإسلام بحذافيره على المجتمع. أمَّا المنطقة التي لم يُطبَّق فيها الإسلام ونُظُمه فيها بالتمام والكمال، فمن الواضح أنَّه لا


(1) كأنّها تشير إلى النعمة المعنويَّة، وهي: النظر إلى الربِّ بالبصيرة لا بالباصرة.

(2) السورة 75، القيامة، الآيات: 20 ـ 25.