المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

540

يكفي مجرَّد فرض أن لو طُبِّق لوفى بتلبية الحاجات للتربية؛ فإنَّ أكثر الناس عقولهم في عيونهم، ومجرّد الإيمان النظري بأنَّ الإسلام لو طُبِّق لكان كفيلا بحلِّ المشاكل، لا ينفعهم في تكامل النفوس ما لم يتمّ التطبيق والتجربة العمليّة في المجتمع كمجتمع.

فإذن لابدَّ من محرِّك أسبق على هذا المحرِّك يستطيع أن يقاوم تلك الميول والإغراءات. وليس هو مجرَّد الإدراك العقلي لحسن الحسن وقبح القبيح، بل يجب أن يُعطى أجراً بإزاء الفعل الحسن وترك القبيح، ويجب أن يحسَّ بالتذاذ وألم يحرِّكانه نحو الكمال.

وتُذكَرُ ـ عادةً ـ عِدَّة جزاءات لموافقة الأخلاق الفاضلة ومخالفتها تُفرضُ محفِّزةً إلى سبيل الخير:

1 ـ الجزاء الخُلُقي، وهو: ارتياح الضمير عن فعل الحسن وترك القبيح، ووخزه عند فعل القبيح وترك الواجب. وهذا في الحقيقة يتمُّ وينمو بالتربية الخُلُقيَّة، وتنمية الضمير الخُلُقي في الإنسان؛ فإنَّ هذا الضمير كُلَّما نما وتكامل أكثر فأكثر ازداد هذا الجزاء، وهو ارتياح الضمير ووخزه وضوحاً وقوَّة وتأثيراً. إلاَّ أنَّ هذا ـ إضافةً إلى عدم كفايته وحده ـ يتوقَّف غالباً على محفِّز أسبق. فأكثر الناس لا ينمو في نفسه الضمير الخُلُقي النموّ المطلوب عن طريق مجرّد بيان الفضائل والرذائل له، وتنبيهه وإلفاته إلى ارتياح الضمير ووخزه لو نمَّاه في نفسه، بل يحتاج إلى جزاء آخر يشوِّقه نحو الفضائل، ويبعِّده عن الرذائل حتّى يتكامل بالتدريج من خلال العمل والتطبيق ضميرهُ الخُلُقي(1).


(1) قد يشير فيما يشير إليه قوله تعالى: ﴿ ... إنْ تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ... ﴾ السورة 8، الأنفال، الآية: 29 إلى تنامي وتكامل الضمير، واشتداد اكتشافه للحقائق الخُلُقية، واتِّساع مساحته بالتقوى. وكذلك قوله تعالى ﴿ ... وَاتَّقُوا اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ ... ﴾ السورة 2، البقرة، الآية: 282.