المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

543

بالوعد بلذَّة لا تدانيها لذَّة، والوعيدِ بالعذاب الذي لا تقوم له السماوات والأرض، لكانت المشكلة غير قابلة للحلِّ، ولكن بعد أن عُولجت استحالة الحلِّ بوضع الجزاء الأُخروي، لابدَّ من الكلام في سائر المشاكل التي توجد أمام تربية الإنسان وحلولها، بعد فرض أصل وجود الشهوات والميولات حقيقة واقعيَّة.

فما هي الأُمور التي تمنع عن علاج مشكلة الشهوات بالجزاءات التي أهمَّها في المرحلة البدائيّة هو الجزاء الأُخروي من الثواب والعقاب، وأهمَّها في المرحلة النهائيَّة هو الجزاء الخُلُقي ورضوان الله تعالى، بل وإدراك العقل نفس الحسن والقبح؟ وما هو علاج تلك الموانع؟

ومن يريد تربية نفسه يلاقي في المرحلة الأُولى من الصعوبة ما لا يوصف. ويقول بلسان حاله أو مقاله: مالي كُلَّما كبر سنِّي كثرت خطاياي. أما آنَ لي أن أستحي من ربّي(1)؟!! ويقول: مالي كلَّما قلت: قد صلحت سريرتي وقرب من مجالس التوّابين مجلسي، عرضت لي بليَّة أزالت قدمي(2)؟!!

والشهوات والميول والعواطف على رغم أنَّها هي أساس المشكل، هي ـ أيضاً ـ أساس التكامل لو هُذِّبت ورُبِّيت؛ فإنَّه (أوَّلا) إنَّ كثيراً منها حينما تُهذَّب تحرِّك الإنسان نحو الخير (وثانياً) لو أنَّها لم تكن موجودة في الإنسان، وكان الإنسان من قبيل المَلَك لا يملك إلاّ العقل، لم تكن توجد قيمة مُهمَّة لالتزامه بالخير والصلاح، ولم يكن للتضحية مفهوم.


(1) و (2) دعاء أبي حمزة الثمالي لسحر شهر رمضان.