المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

549

ناحية تراه يهتمّ باستحصال فدك، وبالاحتجاج على الغاصبين له حتّى عن طريق إرسال زوجته الطاهرة لإلقاء ذاك الخطاب الرنّان على الرجال، ويهتمّ بإمرته على المسلمين، ويقاتل عليها، ويقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ومن ناحية أُخرى يقول: «... ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بِطِمريهِ، ومن طُعْمه بقُرصيه، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفّة وسداد فو الله ما كنزت من دنياكم تِبراً ولا ادّخرت من غنائمها وَفراً ولا أعددت لبالي ثوبي طِمراً ولا حزت من أرضها شبراً، ولا أخذت منه إلاّ كقوت أتانِ دبرة، ولهي في عيني أوهى وأهون من حفصة مقرة بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء، فشحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ونعم الحكم الله. وما أصنع بفدك وغير فدك، والنفس مظانّها في غد جدث، تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها، وأوسعت يدا حافرها، لأضغطها الحجر والمدر، وسدَّ فرجها التراب المتراكم، وإنّما هي نفسي أروّضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر وتثبت على جوانب المنزلق...»(1).

ويقول على ما في النهج: «... والله لهي (النعل الذي كان يخصفه) أحبُ اليّ من إمرتكم إلاّ أن أُقيم حقّاً أو أدفع باطلا...»(2).

وفي الواقع: لا تنافي ـ أبداً ـ بين الزهد بمعنى ترك الحرام والشبهات، وأن لا يملكك من الدنيا مُباحها فضلا عن حرامها ومكروهها من ناحية، وبين العمل بخلافة الله في أرضه في سبيل تعمير البلاد، لأجل العباد، وخدمة المجتمع، ونشر


(1) نهج البلاغة: 573 ـ 574، رقم الكتاب: 45.

(2) نهج البلاغة: 70 الخطبة:33 قال الشريف الرضي(رحمه الله): ومن خطبة له(عليه السلام) عند خروجه لقتال أهل البصرة قال عبدالله بن عباس:« دخلت على أمير المؤمنين(عليه السلام) بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لاقيمة لها. فقال(عليه السلام): والله لهي أحبُّ إليَّ من إمرتكم، إلاّ أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلا...».