المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

550

الهدى، وترفيه المؤمنين من ناحية أُخرى. ولا تضارُبَ ـ أبداً ـ بين الزهد بمعنى أن لا يأسو الإنسان على ما فاته باعتبار مصلحته الشخصيّة، ولا يفرح بما أُوتي من زاوية تلك المصلحة من ناحية، وبين الإقبال على نعم الدنيا والسعي في تنميتها بالطرق المحلّلة لمصلحة المجتمع الإسلامي، لا لنفسه من ناحية أُخرى، بل وإقبال المال الحلال على الإنسان مع افتراض أن يكون الإنسان هو المالك له لا أن يكون المال مالكاً لقلبه لا ينافي الزهد أيضاً.

الثاني: ما يحسّ به ـ أيضاً ـ من التنافي الوهمي بين حالة العبادة الفرديّة، والإقبال على الله تعالى في المناسك التي يُختلى فيها مع الله تعالى من ناحية، والإقبال على الأعمال الاجتماعيّة المطلوبة، والتعايش مع الناس وفي الناس لأجل الله من ناحية أُخرى. فترى كثيراً من المتعبّدين يجنحون إلى مستوىً من الترهبن والابتعاد عن الخَلْق، وترى كثيراً ممّن يقدّمون خدمات اجتماعيّة مشكورة مقصّرين في مستوى الخلوة مع الله والانقطاع العبادي إلى الله تعالى، في حين أنّه لا يوجد أيّ تناف بين الأمرين عدا ما يخلقه الوهم في النفوس نتيجة ضيق أُفق النفس.

الثالث: الشجاعة والجرأة والإقدام على المخاطر في حدودها الشرعيّة من ناحية، وحالة الخوف والتذلّل أمام الله والخضوع والخشوع له من ناحية أُخرى، وها هو مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) قد ضرب المثل الأعلى في ذلك، فقد رُوي أنّه(عليه السلام)« كان إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلوّن، فقيل له: مالك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: جاء وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها»(1)، ومن ناحية أُخرى شجاعته وإقدامه مشهوران معروفان إلى جنب ذاك الخوف والذلّ والخشوع أمام الله تعالى.

وعن الشيخ المفيد(رحمه الله) أنّه قال: « ومن آيات الله الخارقة للعادة في أمير


(1) المحجة البيضاء 1/351.