المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

551

المؤمنين(عليه السلام)، أنّه لم يعهد لأحد من مبارزة الأقران ومنازلة الأبطال ما عُرفَ لأمير المؤمنين(عليه السلام) من كثرة ذلك على مرّ الزمان، ثُم لم يوجد في ممارسي الحروب إلاّ من عرته بشرّ ونيل منه بجراح أو شين، إلاّ أمير المؤمنين(عليه السلام) فإنّه لم ينله مع طول مدة زمان حربه جراح من عدوه، ولا وصل إليه أحد منهم بسوء حتّى كان من أمره مع ابن ملجم لعنه الله على اغتياله إيّاه ما كان ...»(1).

نعم، وإن شئت نقطة من بحر تذلّله لله تعالى وخوفه وخشوعه بالليل، فاستمع إلى ما وصفه ضرار أمام معاوية قال: «فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأ نّي الآن أسمعه وهو يقول: يا دنيا دنيّة أبي تعرضت؟! أم إليّ تشوّقت؟! هيهات هيهات غُرّي غيري لا حاجة لي فيك، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيها. فعمرك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير. آه آه من قلّة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، وعظم المورد. فسالت دموع معاوية على لحيته فنشفها بكمّه، واختنق القوم بالبكاء...»(2) وفي نفس الوقت تراه بالنهار يقاتل الأبطال ويضرب الشجعان:

هو البكّاء في المحراب ليلا
هو الضحّاك إن طال الحرابُ

وهذا البيت الذي استشهدنا به منقول عن عمرو بن العاص. والقصّة مايلي: روى المرحوم الشيخ علي أكبر النهاوندي(رحمه الله) عن الجزء الثاني من زهر الربيع (ولا أظنّه مطبوعاً): أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) كتب إلى معاوية: « غرّك عزّك، فصار قصار ذلك ذلّك. فاخش فاحش فعلك؛ لعلّك تُهدى بهدى. والسلام على من اتبع الهدى». فلمّا وصل المكتوب إلى معاوية، أمر عمرو بن العاص أن يصعد المنبر،


(1) المحجة البيضاء 4/194.

(2) بحار الأنوار 41/121.