المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

553

عود على ما كنّا فيه:

والخلاصة: أنّ الإنسان الاعتيادي الضيّق الاُفق لا يستطيع أن يكون راهباً بالليل، وفي نفس الوقت أسداً بالنهار، وكأنّه يراهما حالتين متضاربتين، في حين أنّ الروايات الواردة عن أهل البيت وصفت أصحاب الحجّة ـ عجّل الله فرجه ـ تارةً والمؤمنين أُخرى والشيعة ثالثة: بأنّهم رهبانٌ بالليل، وأُسد بالنهار.

فمن الأوّل أي: الذي وصف أصحاب الحجّة بهذا الوصف ما ورد عن الصادق(عليه السلام) في صفتهم: «... رجال لا ينامون الليل، لهم دويٌّ في صلاتهم كدويّ النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم(1)، رهبان بالليل، ليوث بالنهار هم أطوع له من الأمة لسيّدها. كالمصابيح كأنّ قلوبهم القناديل. وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة، ويتمنّون أن يُقتلوا في سبيل الله، شعارهم: يا لثارات الحسين. إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى ارسالا، بهم ينصر الله إمام الحقّ»(2).

ومن الثاني أي: الذي وصف المؤمنين بهذا الوصف ما عن أحدهما(عليهما السلام)، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في صفة المؤمنين: «... عشرون خصلة في المؤمن؛ فإن لم تكن فيه لم يكمل إيمانه ... إلى أن يقول: رهبان بالليل، أُسد بالنهار...»(3).

ومن الثالث أي: الذي وصف الشيعة بذلك ما ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام)مخاطباً لنوف: «... هل تدري من شيعتي؟ قال: لا والله، قال: شيعتي الذبل الشفاه، الخمص البطون، الذين تعرف الرهبانيّة والربانيّة في وجوههم، رهبان بالليل، أُسد بالنهار، الذين إذا جنّهم الليل اتّزروا على أوساطهم وارتدوا على أطرافهم، وصفّوا


(1) لعلّ الخيول كناية عن مركوباتهم المتطوّرة وقتئذ، ولعلّ المصلحة الإلهيّة تقتضي رجوع وضع الحرب ـ وقتئذ ـ إلى وضع أيّام ركوب الخيول والقتال بالوسائل البسيطة المعروفة قديماً.

(2) بحار الأنوار 52/308.

(3) أُصول الكافي 2/232.