المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

554

أقدامهم، وافترشوا جباههم، تجري دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى الله فيفكاك رقابهم، وأمّا النهار فحلماء علماء، كرام نجباء، أبرار أتقياء ...»(1).

الرابع: الخوف من ناحية، والرجاء من ناحية أُخرى. فترى بعض الناس إن اتّجه نحو الخوف قلّ رجاؤه، وقد ينقلب خوفه بالتدريج ـ على أثر عدم اقترانه بالرجاء المتعادل معه ـ إلى اليأس، ويجرُّه ذلك إلى ارتكاب المعاصي والقبائح. وإن اتّجه نحو الرجاء قلّ خوفه، وقد ينقلب رجاؤه بالتدريج ـ على أثر عدم اقترانه بالخوف المتعادل معه ـ إلى الجرأة والأماني، فينهمك في المعاصي والآثام.

في حين أنّه لا منافاة عقلا بين الخوف والرجاء، بل بينهما كمال الملاءمة. ويؤكّد التلاؤم بينهما أنّهما لو روعيا بشكل صحيح أنتجا نتيحة واحدة: فمن خاف النار هرب منها، ولجأ إلى الجنّة ومن رجا الجنّة طلبها واهتم بها. ومن خاف غضب الرحمن لجأ منه إلى رضوانه. ومن رجا رضوان الله طلبه وفتّش عنه. وإنّما التضادُّ ينشأ من الضيق في النفوس، وعدم التحليق في الآفاق الرحبة الواسعة، والقيم الروحيّة العليا.

الخامس: الحفاظ على حالة القيادة والاستقلال في الشخصية والفكر من ناحية، وعلى الخضوع للحقّ والرأي الصحيح أينما وجد ولو عند من هو دونه من ناحية أُخرى؛ ذلك أنّ الإنسان القادر على الاستقلال في التفكير ينبغي له إخراج ما بالقوّة فيه إلى الفعل، وتنمية تفكيره المستقل، وتفجير ذكائه وبراعته، ولا ينبغي له التقليد الأعمى عن الآخرين والذوبان فيهم. والشخص الذي قد توصّل إلى الحقّ وإلى سبيل الرشاد، ينبغي له أن يهدي الناس، ويتصف بصفة القيادة، إلاّ أنّه في نفس الوقت الذي يحفظ شخصيته واستقلاله في التفكير، ويقود الآخرين، ويهديهم إلى الصراط المستقيم، لابدَّ له ـ أيضاً ـ أن لا تتحوّل هذه الحالة إلى العُجب والغرور، وعدم الخضوع للحقّ، ويجب أن تكون الحكمة ضالّة له أينما


(1) بحار الأنوار 68/191.