المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

556

 

4 ـ العادة:

والواقع: أنّ العادة ليست من أسباب المنع عن التربية الأخلاقيّة والوقوع في الأخلاق السيّئة فحسب، بل هي بذاتها أداة فارغة يمكن ملؤها بما يضرّ؛ كما يمكن ملؤها بما ينفع، فإذا ملئت بما يضرّ أصبحت من المشاكل الواقعة في طريق التربية. وإذا ملئت بما يورث الملكات الفاضلة أصبحت من المحفّزات نحو الخير والصلاح. وعليه فيمكن البحث عنها هنا، كما يمكن البحث عنها في المبحث الآتي، وهو: (بحث المحفّزات نحو الصلاح). ونحن اخترنا البحث عنها هنا (أعني: بحث المثبّطات) ولا نحتاج في البحث الآتي إلى تكرار البحث عنها.

والعادة هي من أشدّ العوامل المؤثّرة في سلوك الإنسان، قال أحمد أمين في كتاب الأخلاق: كثيراً ما يعبّرون عن قوّة العادة بقولهم: (العادة طبيعة ثانية) يعنون بذلك: أنّ لها من القوّة ما يقرب من (الطبيعة الاُولى). والطبيعة الاُولى هي: ما ولد عليه الإنسان وفطر عليه. فكلُّ إنسان خرج في هذا العالم كآلة مجهزة بكثير من العُدد: عين تبصر، وأُذن تسمع، ومعدة تهضم، وغرائز فطريّة وهكذا، فهذا الذي ولدنا عليه وورثناه من آبائنا وأجدادنا، هو طبيعتنا الاُولى. ولها سلطان كبير على الإنسان، فلو حاول أن يبصر بأُذنه ويسمع بعينه ما استطاع، فهو لابدّ أن يكون خاضعاً لسلطانها. وما يُدخله الإنسان على الطبيعة الاُولى من التحسين والتقبيح هو ما يسمّى (الطبيعة الثانية) أو العادة. ولها كذلك سلطان كبير، فالطريق الذي نختطّه لأنفسنا في الحياة ونعتاد السير فيه، له من السلطان علينا ما يقرب من سلطان الطبيعة، فنحن أحرار في السنين الاُولى من حياتنا، لا سلطان للعادة علينا حتّى إذا نمونا كان نحو التسعين في المئة من أعمالنا ـ من لبس وخلع وطريقة وأكل وشرب ونمط في الكلام والسلام والمشي والمعاملة ـ معتاداً نعمله بقليل من الفكر والانتباه، ويصعب علينا العدول عنه، وتصبح حياتنا مجرّد تكرير لأفكار