المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

557

وأعمال كسبناها في أوّل عهدنا بالحياة... وقوّة العادة هي التي تجعل المسنّين يرفضون الآراء الجديدة والمستكشفات الحديثة، على حين نرى الأحداث يسرعون في اعتناقها والعمل بها؛ ذلك لأنّ المسنّين ألفوا نوعاً خاصّاً من الآراء، واعتادوا السير عليه حتّى صاروا يكرهون ما يخالفه، أمّا الشُبّان والأحداث فلم يألفوا نوعاً خاصاً من الآراء؛ لذلك كانوا على استعداد لقبول ما تقوم البراهين على صحّته. ومن الأمثلة على ذلك ما حدث للطبيب الشهير هارفي ( 1578 ـ 1657 ) الذي استكشف الدورة الدمويّة في الإنسان، فقد أعلن استكشافه، وأيّده بالبراهين، ولكن ظلّ الأطبّاء يرفضون القول به نحواً من أربعين سنة؛ لأنّهم اعتادوا أن يفكّروا أن لا دورة. ورحّب بالاستكشاف الأحداث؛ لمرونتهم وعدم إلفهم القديم. وهذا ما يعلل ما نراه من تمسك العجائز بالقديم والخرافات مع وضوح البراهين على بطلانها(1).

ومن الأمثلة على تأثير العادة الغريب في حياتنا، مسألة المشي، ومسألة الكلام. وقد ذكرهما أحمد أمين في كتابه تحت عنوان (سهولة العمل المعتاد) التي جعلها من خصائص العادة، قال: «ومن الأمثلة على ذلك المشي، وهو من التمرينات الشاقّة، يستغرق تعلمه شهوراً: فأوّلا نتعلّم كيف نقف، ووقوف الإنسان صعب؛ لأنّه يرتكز على قاعدة ليست بالعريضة، وعلى نهاية واحدة؛ لذلك كان وقوفه أصعب من ذوات الأربع، وكان انكفاؤه أسهل من انكفائها. وبعد أن نتعلّم الوقوف نتعلّم الارتكاز على رجل واحدة عند اتجاه الاُخرى إلى الأمام، ثُمّ تغيير الارتكاز من رجل إلى رجل عند تقدّم الاُولى. ومع هذه الصعوبات نجد أنّ العمل بتكراره واعتياده يصير في غاية السهولة. ويكفي توجيه فكرنا إلى المكان الذي نريده لتتحرك أرجلنا وتسير من غير صعوبة، ومن غير تفكير في كيف نمشي.


(1) مقتطف من كتاب الأخلاق لأحمد أمين: 34 و 35.