المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

558

وأعجب من هذا وأصعب الكلام؛ فإنّا نقضي سنين في تعلّمه، ونحتاج إلى استعمال عضلات الحلق والشفة والحنك واللسان، وقد نحتاج في النطق بكلمة واحدة إلى استعمال كلّ هذه العضلات. ويتدرج الطفل من النطق ببعض الحروف السهلة إلى الصعبة حتّى تتكوّن العادة، فيصبح قادراً على التكلّم من غير إحساس بصعوبة ما»(1).

أقول: وثالث المشي والكلام هو الكتابة، فما أصعب الكتابة أوّل الأمر، وتبديل حركة اليد، وتحريك القلم بأسرع ما يمكن من حرف إلى حرف إلى أن تصبح عادة، وتجري في سهولة بالغة.

وذكر أحمد أمين في بيان تأثير تكرّر ورود فكرة ما لعمل على الذهن إلى أن تنتج عملا، ثمّ يصير ذلك عادة بالتكرار: «هب أنّ شاباً مستقيماً دعاه مرّة رفقة السوء ليشرب معهم، فنرى أنّ ذلك الشابّ عند سماع هذا الرأي يرفض الفكرة بتاتاً، ويقول: (لا) بملء فيه، ولكن قد يدعوه رفقاؤه لأن يصحبهم من غير أن يشرب، ويزيّنون له هذا الرأي بما أُوتوا من حيل ومهارة، فيرى بعد طول القول وكثرة الإغراء أنّ هذا الرأي لا يضره ما دام في عزمه أن يذهب ولا يشرب، وقد يتم ذلك حقيقةً، فيذهب معهم ولا يشرب، وقد يكرر ذلك، ولكنه في كلّ ذهاب معهم تقلّ قوّة الممانعة، وتأتي فكرة الشرب في كلّ مرّة، فتعمّق مجراها في المخّ، ولا تزال تضعف قوّة المقاومة عنده حتّى لا يرى له قدرة على الامتناع، فيشرب الكأس الاُولى معتقداً أنّه يستطيع أن يضرب عن الشرب في أيّ وقت شاء، وهو في كلّ مرّة يشرب يثبّت عادة الشرب، وإذا به سكّير»(2).

أقول: ولهذا ورد في الحديث: «ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة ...»(3).


(1) كتاب الأخلاق لأحمد أمين: 33.

(2) الأخلاق لأحمد أمين: 39.

(3) أُصول الكافي 2/451.